عروبة الإخباري – ميعاد خاطر- يعد إقليم ناجورنو كاراباخ واحدًا من أقل النزاعات التي جرت مناقشتها والخوض العميق فيها على الصعيد العالمي، بل وأكثر تلك الصراعات تعقيدا في نفس الوقت.
ورغم قصر مدة الاشتباك العسكري الأخير بين أذربيجان وأرمينيا، داخل إقليم ناجورنو كاراباخ، المتنازع عليه بينهما منذ عقود طويلة، إلا أن هذا الاشتباك يحمل الكثير من الدلالات والأبعاد، وسيكون له العديد من التداعيات في إطار هذا الذي يجري في الشرق الأوسط، وما يتفاعل على أصعدته من تطورات تتعلق بصدامات عدة ومعقدة بين قوى إقليمية ودولية عدة.
وكما بدأت الأزمة فجأة، توقفت فجأة بإعلان أذربيجان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، صباح يوم الأحد، الثالث من نيسان (أبريل) الماضي.
بكل الأحوال، لم تكن هذه الأزمة بعيدة عما يجري من صراع في الشرق الأوسط، وتحديدا في سوريا، والتي تتكاسر فيها قوى إقليمية وعالمية فيما يسمى “حروب بالنيابة”، ولذلك يبقى أي اتفاق هدنة بين أذربيجان وارمينيا هشا، ومرتبطا بما يجري في العالم وفي الشرق الاوسط.
ويشكل إقليم ناجورنو كاراباخ جزءاً من أذربيجان، وهو يقع في وسطها، الا ان سكانه من الأرمن. في عام 1988 قامت حركة انفصالية تسببت في حرب أذرية- ارمنية أودت بحياة 30 ألف شخص. في عام 1994 تم الاتفاق على وقف النار بانتظار تقرير مصير المنطقة المتنازع عليها والتي تشكل 14%من مساحة أذربيجان. استمر الالتزام بالاتفاق حتى الأسبوع الماضي عندما انفجر القتال من جديد.
ولا يمكن لأرمينيا، جغرافياً، ان تضم اليها هذا الاقليم الذي يقع بعيداً عن الحدود، وفي وسط أذربيجان. ولذلك تطالب باستقلاله لمجرد ان أكثرية سكانه من الأرمن.
وهناك من يرى ان أطراف المشكلة الأذربيجانية- الأرمنية هم إيران وتركيا وروسيا، هم ذاتهم اللاعبون الأساسيون في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن السياسية (أو الصدامات العسكرية) حول تقرير مصير الاقليم المتنازع عليه سلماً أو حرباً، تأخذ موقعها البارز في مسرح الصراع فوق طاولة المساومات السياسية التي تدور في الشرق الأوسط.
وتلعب روسيا دورًا انتهازيًا في وسط تلك الأحداث، حيث تقول موسكو إنها تريد التوسط في اتفاق سلام دائم، ولكنها كانت تمد أرمينيا بالأسلحة طيلة الوقت لتمارس ارهابها واعتداءاتها ، فيما تأمل الولايات المتحدة كذلك في منع نشوب صراع على نطاق أوسع ولكن من دون نفوذ دبلوماسي معتبر.
ودخل على خط الأزمة كل من تركيا وإيران. فأبدت تركيا دعمها لأذربيجان، ووقفت إيران إلى جانب ارمينيا في اعتدائها. التأييد التركي جاء على خلفية الاصول التركية للأذريين، والتخلي الإيراني عنها، رغم شيعيتها، جاء على خلفية التخوف من قيام اذربيجان الكبرى. ذلك ان شمال إيران معظمه من الأذريين الذين يتماهون قومياً مع أذربيجان.
غير ان الصراع الروسي- التركي يجعل من التحالف الروسي مع ارمينيا ومن التحالف التركي مع أذربيجان مصدراً اضافياً للتصعيد السياسي، وربما العسكري ايضاً.
الخبراء السياسيون والعسكريون في الجانبين يرون أن القتال الأخير بين البلدين ينهي “اوهام السلام”، التي كانت تنادي بها الدول الكبرى قبل سنوات وماتزال، الأمر الذي يقود إلى التخلى عن فكرة السلام بالكلية، بل إن هناك حالة ندم حقيقي على مرحلة الاسترخاء التي أصيبت بها الدولتان خلال السنوات الماضية منذ عام 1994،وهناك من يتساءل في أذربيجان : “لماذا لم نستغل كل هذا الوقت في تعزيز وتقوية جيشنا حتى نردعهم عن الهجوم علينا ومحاربتنا؟”
وهذا يعني ان الأزمة الأذرية –الأرمنية معرضة للانفجار من جديد، وهو ماحدث قبل نحو شهر من الآن، وأبطالها الخارجيون ( تركيا وروسيا وإيران) هم أنفسهم الأبطال الخارجيون الذين يتصارعون على الشرق الأوسط.. وفيه، كما يرى الخبراء والسياسيون.