بعد الذي صار في مصر، فإن بيان القوات المسلحة وخطة الطريق التي أعلنها أجابت عن أسئلة عدة بالنسبة للمستقبل، لكنه لم يجب عن السؤال متى؟ الأمر الذي يثير حيرتنا، من حيث إنه يضعنا بإزاء أفق مفتوح على جميع الاحتمالات. أما الذي جرى فلست بصدد الدخول في الجدل حول توصيفه، لأن الموضوع فيه أهم من العنوان الذي لا أريد أن أقلل من أهميته، من الناحية القانونية والدستورية بالدرجة الأولى. ذلك أنني وجدت من وصفه بأنه انقلاب عسكري، وسمعت من قال إنه ليس كذلك وإنما هو فقط تدخل عسكري، وهناك من قال إن ما صدر مجرد بيان وليس إعلانا. وتحمس البعض فقالوا إنه ثورة مكملة لثورة 25 يناير، وأضاف آخرون أنه حركة تصحيحية مماثلة لتلك التي قام بها الرئيس الأسبق أنور السادات، حين تمرد أو تآمر عليه بعض رفاق سلفه الرئيس عبدالناصر، فسارع وهو في السلطة إلى التخلص منهم ووضعهم في السجون.
أيا كان الوصف القانوني للذي صار، فإن أحدا لا يستطيع يتجاهل مضمون البيان الذي أعلن يوم 3/7 وتحدث عن أن القيادة العامة للقوات المسلحة حين لاحظت الاضطرابات والانقسامات التي حدثت في مصر، فإنها سعت إلى التقريب بين وجهات النظر بين الفرقاء، وهي خطوة لم تتم. كما أنها تقدمت بمقترحاتها لإزالة أسباب الاحتقان الداخلي، لكن الرئيس محمد مرسي لم يستجب لنصائحها، فأنذرته وأمهلته ثم حين ظل على موقفه لم يغيره فإنها عزلته وتحفظت على رفاقه وقادة جماعته، ثم كلفت رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولي السلطة في البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.
حين يدقق المرء في البيان ويلاحظ أصداءه يجد ما يلي:
ـ أن القوات المسلحة هي التي قامت بالمهمة كلها من البداية إلى النهاية، واستثمرت في ذلك أجواء الجموع التي خرجت مطالبة برحيل الدكتور مرسي.
ـ أنها حرصت على الإعلان عن أن الخطوة التي أقدمت عليها بمثابة استجابة لدورها الوطني وليس السياسي، كما أكدت أنها حريصة على أن تظل بعيدة عن العمل السياسي، إدراكا منها لحقيقة أن الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب سوف يؤدي إلى قطع المعونات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية، كما أنه سيحسن من صورتها أمام الرأي العام.
ـ إن خطوة القوات المسلحة تمت بعد مطالبات استمرت طوال العام من جانب النخب الليبرالية والعلمانية كما أنه لقي ترحيبا جماهيريا واسعا، واشتركت في الحفاوة به رموز النظام القديم.
ـ حسم المستشار طارق البشري الخلاف حول الوصف القانوني لما جرى، حين نقل عنه موقع جريدة الشروق قوله يوم الخميس 4 يوليو إن الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وتعطيل العمل بالدستور يعد انقلابا عسكريا صريحا على دستور ديمقراطي أفرزته إرادة شعبية حقيقية.
ـ إن رئيس الدولة الجديد والمؤقت ــ رئيس المحكمة الدستورية العليا ــ رجل قانون مشهود له بالكفاءة والنزاهة، لكنه قادم من خارج السياسة الأمر الذي يعني أن القرار السياسي سيظل بيد قيادة القوات المسلحة، على الأقل طوال الفترة الانتقالية.
ـ إن الرئيس المؤقت أطلقت يده في إصدار الإعلانات الدستورية خلال المرحلة الانتقالية، الأمر الذي يعني أنه بعد إلغاء مجلس الشورى سيجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يشير إلى أن تلك السلطة سوف تمارسها قيادة القوات المسلحة في حقيقة الأمر.
ـ إن كل الخطوات التي أعلن عنها في خطة الطريق لم تتحدد لها أية مواعيد حتى كتابة هذه السطور. فلا عرفنا أجل الفترة الانتقالية، ولا إلى متى سيتم تعطيل الدستور أو ما هي المهلة التي حددت لإدخال التعديلات اللازمة عليه ولا عرفنا متى ستجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة أو الانتخابات البرلمانية التي يفترض أن تأتي بحكومة تعبر عن موازين القوى السياسية في البلد.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نستخلص ما يلي:
ـ أن غموض تلك الآجال يثير التساؤل والحيرة ويجعلنا نستسلم لمختلف الظنون، الإيجابي منها والسلبي. لأن الغموض يعني أننا بصدد مدد قد تطول أو تقصر، وبالتالي فإن موعد العودة إلى الحكم المدني والديمقراطي سيظل في مهب الريح.
ـ إن النقاط الأساسية في البيان لم تختلف في جوهرها عن مضمون آخر مبادرة تحدث عنها الرئيس السابق. وهو تقدير إذا صح فهو يعني أن عزل الدكتور محمد مرسي والتخلص من نظامه وجماعته هو الإنجاز الأهم الذي حققه الانقلاب.
ـ أننا بصدد الانتقال إلى ما يمكن أن يسمى بالديمقراطية الشعبوية، التي يصعب التحكم في الانفعالات خلالها، فضلا عن حفاوتها بإجراءات تقييد الحريات العامة التي لاحت بوادرها بسرعة بعد نجاح الانقلاب وأشاعت قدرا ملحوظا من الخوف في بعض الأوساط.
إن أكثر ما يهمنا في المشهد ليس خروج فريق أو قدوم فريق آخر، لأن الأهم هو أن يكون الوطن هو الفائز في نهاية المطاف. وهو اعتبار غاب عن الفرقاء في خضم صراعهم.