كان الاتجاه لمأسسة العلاقات الأردنية السعودية قد بدأ في وقت مبكر. ولا ننسى أن السعودية هي من تبنّت خطة خليجية لدعم الأردن قبل خمس سنوات، حملت اسم “المنحة الخليجية”؛ تمّ من خلالها تمويل مشاريع تنموية وخدمية واسعة في الأردن.
ومع التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة في سنوات “الربيع العربي”، وتراجع أسعار النفط، اتجهت السعودية ومن خلفها دول خليجية، إلى تبني مقاربة جديدة للشراكة الاقتصادية مع دول الجوار وتجاه العالم عموما، استبدلت بموجبها سياسة المنح والدعم المباشر، بمشاريع استثمارية مشتركة. وتستجيب هذه المقاربة إلى حد كبير لشروط التحول في إدارة الثروات النفطية، وعنوانها الكبير الرؤية السعودية التي أطلقها مؤخرا ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وفي هذا السياق يمكن قراءة الصيغة الجديدة للعلاقات الأردنية السعودية، والمتمثلة في مجلس التنسيق المشترك بين البلدين، بوصفها تحولا جوهريا ينسجم مع الرؤية السعودية الجديدة القائمة على الشراكة وتبادل المنافع، عوضا عن الدعم المالي باتجاه واحد.
بمعنى آخر؛ من الآن فصاعدا تريد السعودية استثمار دعمها للأردن بمشاريع استثمارية تعود بالفائدة على البلدين، وليس كما كانت الحال مع صيغة “المنحة الخليجية”.
ويتطلب هذا التحول في العلاقة من جانب الأردن، بناء إطار قانوني لتنظيم الاستثمارات المشتركة، والاستفادة من الفرص التي يتيحها الصندوق السيادي السعودي. وقد انتهت الحكومة مؤخرا من إنجاز مسودة قانون الصندوق الاستثماري، ولم يتبق سوى تحويلها إلى مجلس الأمة لإقرارها بشكل دستوري، بالإضافة إلى مذكرة التفاهم بين البلدين، والتي تحتاج هي الأخرى لمصادقة البرلمان.
الحكومة لم تكن خارج الصورة في كل مراحل التحضير لإطلاق مجلس التنسيق السعودي الأردني؛ فقد عملت الطواقم المختصة في الوزارات المعنية على بلورة العروض المقترحة للمشاريع الحيوية، والتي تصلح لشراكات اقتصادية بين البلدين، وتحقق في الوقت نفسه الأهداف التنموية للأردن.
وكان من الطبيعي في مثل هذه الحال التركيز على القطاعات الجاذبة للاستثمار، كقطاع الطاقة، وتطوير البنية التحتية لقطاع الكهرباء، والتي تعتبر قطاعات واعدة تستهوي المستثمرين الأجانب قبل العرب، إلى جانب القطاع السياحي.
إننا إزاء فرصة استثمارية مهمة، في وقت تعاني فيه المنطقة من ويلات الحروب وعدم الاستقرار، والتي ألقت على اقتصادات دولها أعباء ثقيلة، وحطمت آمال شعوبها بالتنمية والازدهار.
ولا شك في أن القطاع العريض من الأردنيين يتابع بتفاؤل مشوب بالحذر الأخبار عن الفرص الواعدة للتعاون الاستثماري بين الأردن والسعودية؛ ويحدوه الأمل بولادة مشاريع كبرى تساهم في خلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة المتفاقمة، ورفع طاقة الاقتصاد الوطني ليتمكن من الاستجابة للتحديات الماثلة أمامه.
لكن على أهمية ذلك كله، يتعين على المسؤولين الحذر الشديد قبل رفع سقف التوقعات، والحرص على عرض الفرصة المتاحة بشكل واقعي من دون مبالغات، وتجنب الحديث في هذا الوقت بالتحديد عن مشاريع بمليارات الدولارات.
طالما سمع الأردنيون عن مشاريع بليونية في المؤتمرات والمنتديات، ولسان حالهم يقول: أين هي هذه المشاريع؟ من الأفضل أن نترك للمشاريع التحدث عن نفسها حال قيامها، وأن لا نستبق الأمور بتوقعات كثيرا ما ارتدت بنتائج سلبية على الدولة.