تلتقي حقيقة أن لا تنمية مستدامة وشاملة في الأردن من دون استثمارات خارجية، مع الرؤية السعودية الجديدة القائمة على تنويع ركائز الاقتصاد السعودي، محلياً وإقليمياً وعالمياً، كما مبادرة البلدين إلى تدشين مجلس التنسيق الأردني السعودي على الصعد كافة، بما في ذلك الاقتصاد.
والحديث عن ماهية الاستثمار السعودي المتوقع، يُظهر تعدد المجالات والقطاعات. وهو يبدأ من استثمار اليورانيوم بالتنسيق مع هيئة الطاقة الذرية التي يرأسها د. خالد طوقان. إذ تم خلال الفترة الماضية وضع الخطوط العريضة للتعاون في هذا المجال، وتحديد أوجه الاستثمار الممكنة. كما أن ثمة دراسات جادة لتطوير مواقع سياحية ضخمة في مدينة العقبة وغيرها، إضافة إلى تطوير التعاون في مجال التصنيع العسكري.
وإذ لم يتضح بعد حجم الأموال التي ستُخصص للصندوق الاستثماري المشترك، إلا أنه يُتوقع أن يكون بمليارات الدولارات، تُوزّع على مشاريع يفترض أن تشغّل أردنيين، حتى تحقق قيمة مضافة، وليكون الحكم على التجربة، بالتالي، من خلال المنجز وليس التنظير، وأهم المنجزات هو استشعار الناس تحسناً في حياتهم نتيجة ذلك.
بعد الإعلان عن “مجلس التنسيق”، وضمنه “الصندوق الاستثماري”، يأتي الآن دور العمل الحكومي لاستكمال ما بدأ قبل أشهر، بهدف قوننة العلاقة وترتيبها من خلال تشريعات عصرية، وتحضير الدرس الأردني جيدا لتقديم المشاريع المواتية للتنفيذ، وبالتالي ضمان نجاح المبادرة بشكل يؤهل اقتصادنا للانتقال إلى شكل جديد قائم على القطاع الخاص.
وهنا يظهر التحدي الكبير، لأن السياسات الحكومية طالما أضاعت البوصلة، وفشلت في اقتناص الفرص!
حتماً، إن الطريق ليست معبدة بشكل مثالي للمضي قدماً؛ فأمام القيادتين السعودية والأردنية معيقات محلية تسعى إلى تعطيل محاولة الانتقال ببلديهما إلى مراحل أكثر عصرية وانفتاحا.
أما أهم عنصر للنجاح، فيما يتعلق بالأردن تحديداً -والذي يرتبط بشكل وثيق بجانب العمل الحكومي الجاد- فيتمثل في خلق وتوفير مؤهلات بشرية تؤمن بالاستثمار ولا تعيقه حد “التطفيش”، من خلال البيروقراطية وغيرها من عقبات حكومية؛ لاسيما أن نجاح الشراكة مع السعودية، التي تشكل اليوم بوصلة دول الخليج الأخرى، ستُغري غالباً الصناديق السيادية لهذه الدول بالتوجه بأعمال لها نحو الأردن.
ولا بد من الإشارة إلى أن البعض، أردنياً، قد لا يبدو سعيدا بما حدث، ربما بسبب شخصية د. باسم عوض الله المثيرة للجدل، والذي نال خصومة كثيرين إبان توليه مسؤوليات سابقة حكومية ورسمية؛ سواء كان ذلك لأسباب مقنعة، أم بحكم المناكفة السياسية، وبما دفع به إلى الابتعاد عن المشهد. لكن عوض الله يعود اليوم، لقناعته بأن ما يفعله هو خدمة للأردن، يقدمه بالطريقة التي يحبذ؛ وهو منجز واقعي يخفف عن البلد عبء مشكلاته الاقتصادية. وهذا ما يضع عوض الله بدوره، ومرة أخرى، أمام اختبار صعب محليا.
الخلاصة؛ وبعد الإجابة عن السؤال المحوري: “هل ثمة شروط سعودية للمضي في هذه العلاقة؟”، فإن الاختبار المهم للأردن، بكل مسؤوليه، يتمثل في سؤال آخر: هل سننجح في توفير الشروط المواتية للشراكة الجديدة مع الشقيقة السعودية؛ فنجني المنافع المرجوة منها؟ ونتيجة لذلك، وهو الأهم، هل سنشهد تحولا في المشهد الاقتصادي الأردني وسط التشكيك الشعبي بفرص تحقيق الأهداف؟ وهل سنبدأ بعد سنوات بتغيير طبيعة السؤال حول العلاقة مع البلد الشقيق؛ بأن يصبح “كم استثمرت السعودية لدينا؟”، بدلا من “كم حجم المنح التي تقدمها لنا؟” كما هي الحال الآن؟
يبقى أن مأسسة العلاقة مهم، والمضي في تنفيذ المخطط ضرورة، لكن مع التأكيد على أن جني ثمار هذه الشراكة يحتاج وقتا طويلا نسبياً. وحتى ذلك الحين، سيبقى الأردن يعاني من أزمة مالية خانقة، نتيجة استضافة اللاجئين، وإغلاق حدوده الشرقية والشمالية.