مثيرة للاهتمام الشهادات الإيجابية التي يقدمها بحق الأردن عدد من السياح الأجانب، من جنسيات مختلفة. وهي تدعونا إلى طرح سؤال: أين العقدة التي تحول دون تسويق المملكة سياحياً كجزء منفصل عن الشرق الأوسط المشتعل، في أغلبه، بالحروب، والمبتلى بعدم الاستقرار؟
أحدث الشهادات جاءت في فيديو قصير، مدته 4 دقائق، أعدته الشابة الأردنية كيتي قعوار. إذ تضمن مقابلات جاءت جميعها إيجابية، مع سياح أجانب التقتهم في الشارع، من جنسيات أميركية وبريطانية وسويدية وغيرها. ورغم أن مضمون الشهادات لا يحمل جديداً مفاجئاً للأردنيين، إلا أنها تُظهر مدى جهل الآخر بحقيقة أن الأردن واحة أمن واستقرار بحق، خلافاً للصورة السوداوية المعممة على الإقليم ككل والمملكة جزء منه؛ حتى إن سيدتين أميركية وبريطانية، قالتا إن الأردن أكثر أمنا من بلديهما، حيث تمتعتا بحرية الحركة من دون خوف أو قلق.
إذن، ومرة أخرى، أين العقدة؟ أين القصور؟ لماذا الفشل، حتى اليوم، في رسم صورة الأردن الحقيقية في أذهان الغرب؟ وما السبيل إلى فصل صورة الأردن، بلدا آمنا مستقرا، عن واقع إقليمنا الملتهب؟
ثمة محاولات من وزارة السياحة في هذا الخصوص. لكنها غير كافية؛ ربما لضعف الإمكانات و/ أو ضعف الأفكار. فمعالجة الخلل الحاصل يحتاج –بشديد صراحة- جهود أكثر من وزارة وأكثر من هيئة.
هنا تبرز أهمية الحديث عن الدور التشاركي من جميع المسؤولين، في الداخل والخارج. فعشرات السفراء في الخارج تقع عليهم مسؤولية كبيرة على هذا الصعيد، بحيث تتشكل خلية عمل تقوم على حملة ضخمة طويلة المدى، تقدر على تغيير الانطباع العالمي المغلوط بأن الأردن لا يختلف عن سورية والعراق! وأنه ضحية لهجمات إرهابية مستمرة كما حال مصر وتركيا.
هذا الدور يبدو الأهم في هذه المرحلة، للتمكن من خلق طريق جديدة لإنقاذ السياحة، كما الاقتصاد ككل. إذ لقطاع السياحة مدى لم يصله بعد، لأكثر من سبب. وثمة فرصة لإنقاذ الاقتصاد من خلال تنشيط السياحة وزيادة عدد السياح بما ينسجم مع واقع الحال، وبشكل يستثمر مقولة أن الأردن متحف مفتوح، وفيه من تنوع الجغرافيا والطقس ما يُغني السائح عن زيارة خمسة بلدان مجتمعة.
لكن ميزانية هيئة تنشيط السياحة ووزارة السياحة مجتمعتين، لا تكفيان لتغيير الصورة. فلإقناع العالم بأن الأردن استثناء إقليمي، علينا تكلف عناء ذلك عبر استمرارية العمل لمدد تكفي لتحقيق الأهداف، وليس عبر حملة هنا وهناك لأيام معدودة.
ذلك أن الصورة المبنية عن الشرق الأوسط عمرها سنوات، وإحداث الفَرق المطلوب بشأن واقع الأردن المختلف، يتطلب شرحا طويلا باستخدام معلومات مفصلة ومكثفة، تقوم على ضخ الكثير من الصور والفيديوهات والتقارير، وتنظيم الحملات، بما يكفي لتغيير أفكار المواطن الأجنبي تجاه المملكة، إذ يعتقد أنها جزء من منطقة لا تحوي إلا الموت في بلدانها كافة.
الشهادات التي جاءت في الفيديو القصير، تكشف أن جميع أصحابها زاروا الأردن رغم رفض الأقارب وقلقهم ورعبهم من المجيء إليه! فكان كل القادمين كمن يجازف ويُقدِم على مخاطرة، قبل أن يتبين لهم لاحقاً ما يتمتع به وطننا من أمن، يُضاف إلى جماله وتعدد مواقعه السياحية ونظافته، كما حسن ضيافة أهله؛ وهي الأسباب المثالية لتحفيز الزائر على البقاء.
بالنتيجة، ثمة تقصير تاريخي بحق قطاع السياحة الأردني. ففي الوقت الذي كانت مصر تنفق 100 مليون دولار لتسويق سياحتها المزدهرة ما قبل “الربيع العربي”، كان إنفاق الأردن بحدود 5 ملايين دولار، إن لم يكن أقل! ولذلك أفلح المصريون في الماضي فيما فشلنا نحن. وحتى في مرحلة ما بعد الثورات التي تجاوزها الأردن بسلام، مقدما أنموذجا لبلد راسخ، فإننا ما نزال نفشل في تسويق بلدنا! إذ يتواصل الانطباع العالمي، شعبياً على وجه الخصوص، بأننا مثل سورية والعراق وغيرهما من الدول الضعيفة المهزوزة! ربما لأن الإعلام الغربي لا ينقل إلا أخبار الحروب والصراعات، وهو ما يضاعف المسؤولية لتغيير هذا الانطباع، مع عدم التقليل من صعوبة المهمة.