تحرص الدول الغربية دائما على توجيه رسائل يومية لرعاياها ودبلوماسييها حول العالم، لتحذيرهم من المخاطر الأمنية المحتملة حيث يقيمون. وعادة ما تضم القائمة أسماء الدول التي يمكن أن تتعرض لمخاطر أمنية. ويجري تحديث تلك القوائم بشكل مستمر؛ فتظهر أسماء دول لعدة أيام، ثم تختفي بعد تراجع احتمالات التهديد الأمني.
يحدث هذا باستمرار مع رعايا الدول الغربية في الأردن، الذين يتلقون يوميا رسائل التحذير. بالأمس، لاحظ رعايا إحدى هذه الدول في عمان ورود اسم الأردن بين الدول التي يمكن أن تتعرض لتهديدات خطيرة.
الأمر ليس جديدا كما قلنا، وكانت سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا سباقتين في مثل هذا النوع من التحذيرات. وتلقى تحذيراتهما، في العادة، صدى قويا في أوساط الأردنيين ووسائل الإعلام، وكثيرا ما كانوا ينظرون لتحذيراتهما بصدقية عالية.
ليس هناك ما يُلزم السفارت الأجنبية بالتنسيق المسبق مع السلطات الرسمية قبل إدراج اسم أي دولة على لائحة المخاطر. لكن درجت العادة على إبلاغها في بعض الحالات التي ترتفع فيها مستويات التهديد إلى درجة “الأحمر”.
تستند السفارات في إعداد لائحة الدول “الخطرة” إلى ما يأتيها من السلطات المركزية في دولها، والمعتمدة في الأساس على تقارير ومعلومات أجهزتها الاستخبارية، وليس تقديرات وتقارير أجهزة الدول المستضيفة.
وكثيرا ما تتباين التقديرات في هذا الخصوص، وهو ما يدفع السلطات المحلية إلى التشكيك بصحة ودقة التحذيرات الغربية.
وكل الدول في العالم، سواء المستقرة أو التي تشهد اضطرابات خطيرة، تعمل جاهدة كي لا يظهر اسمها في هذه القوائم. وفي حالة الأردن، كثيرا ما عبرت السلطات عن استيائها من ورود اسم الأردن على اللائحة الأميركية أو البريطانية من دون اعتبار لتقدير الجهات المختصة لمستوى التهديد الفعلي في حال وجوده أصلا.
إن مجرد ورود اسم دولة تتمتع بوضع أمني مستقر واستعداد عال لإحباط المخططات الإرهابية واحتواء الاضطرابات في حال وقوعها، يرتب خسائر اقتصادية عليها، ويضر بحركة السياحة الخارجية، وحركة المواطنين في الأماكن العامة. وقد شهدنا بالفعل تراجع أعداد المرتادين لمراكز التسوق قبل أشهر، بعد تحذير سفارات غربية من احتمال استهداف تلك المواقع.
والمخاطر المترتبة على “لائحة المخاطر المحتملة” تتجاوز ذلك، خاصة إذا ما نظرنا إليها من زاوية أخرى؛ فالآلاف من المواطنين الأردنيين، وبينهم رجال أعمال ومستثمرون يحملون جنسيات أجنبية؛ كندية وأميركية وبريطانية على وجه التحديد. ومثل هذه التحذيرات المستمرة تدفع بالكثيرين منهم إلى التردد في توسيع أعمالهم الاستثمارية، وتحمل البعض إلى التفكير جديا بالانتقال إلى “بلدهم الثاني” والاستقرار بشكل نهائي هناك.
وفي اللقاءات التي تجمعنا مع أردنيين من حملة الجنسية الثانية، عادة ما نلاحظ أنهم أكثر قلقا من غيرهم على الأوضاع الأمنية في الأردن، والأكثر تشككا بقدرة البلاد على تجاوز المخاطر المحتملة للوضع المضطرب في المنطقة. ومرد ذلك الشعور المتنامي بالخطر، هو التحذيرات المتكررة من جانب السفارات لرعاياها من الأردنيين.
المفارقة العجيبة أنه وبينما كانت السفارات الغربية تصدر التحذير تلو الآخر عن أخطار وتهديدات أمنية وشيكة في الأردن خلال السنة الأخيرة على الأقل، كانت أصوات التفجيرات الإرهابية تدوي في العواصم والمدن الأوروبية والغربية عموما. أو ليست هذه مفارقة تستحق التأمل من السفارات الغربية؟!