الماضي من العلاقات الأردنية التركية كان أفضل من راهنها، ويمكن للمستقبل أن يعود كما كان في الماضي.
قبل موجات التغيير الجارف في العالم العربي، كانت العلاقات بين البلدين تتقدم باطراد، وفي كل المجالات، رغم التباينات في المواقف من بعض القضايا. العلاقات التجارية نمت بشكل ملحوظ، ووقع البلدان اتفاقية للتجارة الحرة توسعت لتشمل دول الجوار؛ سورية ولبنان.
“الربيع العربي” عصف بالعلاقات الثنائية بين كل دول المنطقة؛ أطاح بأحلاف وتحالفات، وضرب صداقات قديمة في الصميم.
تأثرت العلاقات الأردنية التركية بما جرى ويجري في مصر، ثم سورية. سورية كانت حلقة الوصل بين البلدين؛ عبرها يتبادل الأردنيون والأتراك البضائع والمنتجات الزراعية، والرحلات السياحية براً. وخطط التعاون بين بلدان المنطقة كانت تزخر بالأحلام الكبيرة؛ مشاريع الربط الكهربائي والسككي، وطرق النقل السريع. في ذلك الوقت، منح الأردن أكبر مشاريعه المائية لشركة تركية؛ مشروع جر مياه سد الديسي.
سورية هي نقطة الوصل والفصل في العلاقات الأردنية التركية، ولا يمكن أن تعود لسابق عهدها من دون سورية مستقرة وموحدة وآمنة.
في سنوات الأزمة الخمس، التقت وافترقت أجندة البلدين تبعا للتطورات والتصورات؛ التقت على الحاجة للإصلاح في سورية، والتعاون في ملف اللاجئين، ودعم خيارات السوريين. لكنها اختلفت في الوسائل والأساليب، وأكثر من ذلك على وجهة سورية المستقبل. وفي التفاصيل الكثير الكثير من الكلام غير المباح.
رغم ذلك، لم تنقطع الاتصالات بين البلدين على جميع المستويات. التنسيق الأمني ظل فاعلا، وإن كان متقطعا أحيانا. التجارة بين البلدين تضررت كثيرا جراء تدهور الأوضاع الأمنية في سورية، وإغلاق المعابر شمالا وجنوبا.
ملف مكافحة الإرهاب أرق البلدين. كان يمكن أن يكون عنوانا عريضا لتعاون بدا ممكنا وطموحا، وقد قطع بالفعل شوطا متقدما. كان الأردن أول المبادرين إلى إدانة الهجمات الإرهابية في تركيا، بغض النظر عن مرتكبيها؛ “داعش” أو الجماعات الكردية المتطرفة. لكن تعريف الإرهاب في سورية ظل محل خلاف بين الطرفين؛ لم يظهر للعلن، إنما في الغرف المغلقة واللقاءات الدولية والإقليمية.
لم يكن الأردن ليقبل الانجرار لمغامرات غير محسوبة في سورية، وتمسك بمقاربة واضحة وصريحة عنوانها: دحر الإرهاب ودعم الحل السياسي لأزمة البلد الشقيق والجار. لم تكن هذه هي “حسبة” كل الفاعلين الإقليميين والدوليين في سورية. من هنا ظهر التباين في الأجندات والتحركات.
اليوم تأكد أن هذه هي الطريق الصحيحة لخروج سورية والمنطقة من أزمتها الخانقة. لندع مصير النظام السوري للسوريين، وندفع المتصارعين غصبا إلى طاولة المفاوضات للتوصل لحل سياسي، وفي الوقت نفسه ضرب الجماعات الإرهابية بلا رحمة.
أو ليست هذه هي المقاربة التي نهضت على أساسها عملية جنيف؟
تركيا اتخذت خطوة متقدمة بدعم هذا المسار الذي كان الأردن قد تبناه من قبل، وصار واقعا اليوم بفعل الإرادة الروسية والأميركية؛ فانتظم الجميع في العملية.
تمثل هذه اللحظة فرصة لاستعادة زخم العلاقات الأردنية التركية. وقد جاءت زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلى عمان كتعبير عن حالة الانسجام الإقليمي مع مقتضيات المرحلة الجديدة.
هامش المناورة بات معدوما، وها هي سورية التي فرقت الحلفاء تجمعهم من جديد.