عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – هنا قبرص .. الجزء التركي من الجزيرة .. كان شاطئا مهملا وقرى منسية الى ان قررت الحكومة التركية التي آلت اليها تبعية الجزيرة ان تفتح فيها استثمارات سياحية واسعة وان تنقل اليها مرافق ليست موجودة حتى في استنبول او انقرة او اي مدينة تركية اخرى ..
انتعش هذا الشطر من الجزيرة ودبت فيه حياة سياحية واعدة ..
كنت في جمهورية قبرص التركية وفي منتجع ميريت تحديدا بمكوناته التي تتزايد في شبكة الفنادق القائمة ومنها الجديد والمتجدد وهي نموذج للمنتج الحديث مكتمل المرافق حيث تبلغ وسائل الرفاه اعلاها وحيث يستقطب هذا المنتجع رواده من مختلف انحاء العالم وخاصة العالم العربي الذي اكتشف في هذا المنتجع مقصدا سياحيا مميزا ..
ما اكتبه اتمنى ان يصل الى القراء والى متخذ القرار السياحي في بلادنا لنقارن بين السياحة هنا والسياحة هناك ..
البتراء ليست في قبرص ولا البحر الميت او المغطس ولا جرش ولا بوابة الامبراطور التي كتب عنها المؤرخ هيردوت حين زار جرش .. او مادبا وارضيات الفسيفساء التي دونت اسماء كنائس الشرق .. ولا اكثر من عشرين ضريحا لصحابة الرسول منتشرين على طول الارض الاردنية ابتداء من ابي عبيدة وليس انتهاء بجعفر بن ابي طالب ..
هنا كان البابا الحالي في المغطس على البحر الميت . وهنا جاء البابا الذي سبقه وثلاثة من البابوات اذن حطوا الرحال ومنهم من وقف حيث وقف النبي موسى الكليم ..
هنا “مكاور” حيث تراجيديا يوحنا المعمدان وسالومي . هنا وهنا .. لكن ليس هنا من يستطيع تسويق المكان بما يليق به . فمازلنا نتعامل مع التميز باسلوب تقليدي منفر ومازلنا لم نحدد الاهداف التي نريد الوصول اليها .. واذا حددناها فاننا مازلنا نفشل في ابتداع واجتراح الوسائل العلمية والعملية الناجحة ..
اشعر بالغيرة حين تنجح جمهورية صغيرة غير معترف بها على المستوى الدولي في تسويق سياحة واسعة رغم ان عدد سكانها لا يزيد عن (300) الف نسمة ..
لماذا لا نتعلم من قبرص بشكل عام وبشطريها؟ ولماذا لا نتعلم من دول عديدة كيف تبني سياحتها؟ ماذا لو كانت المكونات السياحية المتوفرة في الاردن موجودة في بلد اخر؟ .. هل سيكون مستوى الدخل السياحي والاقبال على الليالي السياحية فيه بنفس القدر..
في ميريت قابلت شخصيات ادارية وتسويقية وعرفت منها البعض عن قرب وسالتها واستمعت اليها ووجدت متخصصا مثل السيد نبيل شومان مدير العلاقات والتسويق في المنتجع قادر ان يغطي على كل التساؤلات وان يبين كيف استطاع ان ينتقل بهذا المنتجع الذي كان يقتصر على فندق واحد الى منتجع فيه اربع فنادق متميزة وكيف يجوب الرجل العالم وخاصة العالم العربي وتحديدا دول الخليج وكيف يستقطب كبار الفنانين للغناء في المنتجع وكيف يستميل زبائنه بتوفير كل اسباب الراحة والمتعة لهم سواء كانوا افرادا ام عائلات ..
فمن التميز الى جودة الطعام الى المسابح الى الغرف الفارهة الى الخدمة السريعة والمتقنة ومن الابتسامة المرتبطة بالرضى الى اعادة النظر في اي مكون اذا ما قامت عليه ملاحظات او نقد .. الى كرم الضيافة وحسن الاستقبال وتوفير كل اشكال المتطلبات التي يمكن ان يطلبها النزلاء على اختلاف مشاربهم ..
لا عقبات في وجه السياحة القبرصية ولا اغراق للمشاريع بالضرائب والجمارك والتعطيل البيروقراطي والتعامل بالنوايا او ايقاع عقوبات استباقية لمجرد التفكير في اقامة نشاط جديد ..
قبرص وغيرها بلاد فيها امن ولكنهم يمارسونه بشكل ناعم رغم قوته ولا يخلطون الامن بالاقتصاد او يقدمونه عليه او يختبئون وراء الامن فيضعف الاقتصاد .. هم يضعون كل ذلك في تنسيق مشترك لا يطغى مكون اجتماعي على اخر ..
لايدمرون الاقتصاد باسم الامن ولا يساومون على الامن ولا يرغبون ان يجعلوا من الامن حالة استعراضية ..
وحتى لا نظل ناخذ من الغرب مثلنا الاعلى نظريا في تقليدنا له دون ان ننجح او دون ان نمارس او نطبق كما يمارس الغرب من خطط ومن اساليب مؤسسية فتكتفي بالحديث عنها فقط . فان المطلوب ان نقرا تجربة قبرص وتجربة تركيا في السياحة او حتى اي تجربة اخرى قريبة او مشابهة حتى لا تظل السياحة عندنا وكانها حالة ( شحادة) او كانها مؤسم يترك لاي جهة ان تجرب نزعاتها فيه او تفرض ثقافتها عليه..
ننفق على السياحة اموالا ليست في مكانها ونزعم اننا نستثمر ونضع اموالا للترويج فلا ياتينا من ورائها احد وكل ذلك لدوافع ان بعضنا يريد ان يروج في فرنسا او بريطانيا او الدول الاسكندنافية وننسى ان نروّج في دول تشبهنا في الشرق .. في الصين او في اسيا او حتى افريقيا او اميركا اللاتينية .. ونبقى نكرر نفس الاخطاء وننسى ان لكل موقع سياحي او مكون سياحي زبائنه الذين يريدونه ويقصدونه ..
لماذا لا نركز على السياحة العلاجية او السياحة الدينية ان كنا لا نريد الترفيهية لاننا نريد ارضاء شرائح معينة ليس من الضرورة ارضاءها او التوقف كثيرا عند رغباتها ..
اشعر بالحزن ونحن نتراجع سياحيا ولا نبتكر اساليب اخرى رايتها هنا في منتجع ميريت وغيرها ..ويزداد حزني حين نغرق المشاريع السياحية القائمة والجديدة بالضرائب والغرامات وكاننا في خصومة معها ..
واشعر اننا لا نضع الانسان المناسب في المكان الذي نريد ان يكون جذابا ومتفاعلا ومثمرا ومستقطبا للسياحة ..
لا يجوز ان تبقى سياحتنا مرهونة لوجهات نظر تقليدية وعاجزة وغير مهتمة ونبقى نخسر باستمرار ونتراجع باستمرار لان ما نعتقده كذبا انه الراي العام وانه يؤثر علينا فنتوقف تحت وهم ذلك ..
اتمنى ان نتعلم من السياحة في قبرص وان نستمع الى اشخاص وقفوا وراء تلك النجاحات وحققوا نتائج مشرفة فالايام الاربعة التي يمضيها السائح في قبرص تعادل كلفة ليلة واحدة في سياحتنا ومازلت ابحث عن السبب ولذا ادعو ان نعيد النظر وان نتعلم من التجربة القبرصية في شمال الجزيرة وتحديدا هنا ..
هنا .. شمال قبرص ..تعلموا منهم السياحة !!
13
المقالة السابقة