خلال دقائق معدودة، “شمّل” الأردنيون؛ “كلنا إربد”. وبعد نبأ استشهاد النقيب المقدام راشد الزيود، بات الجميع أبناء عائلة واحدة كبيرة؛ قبيلة بني حسن. تماما كما كانت الحال يوم استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، إذ تحولت الكرك قبلة للأردنيين، وبلدة عي عاصمة للمملكة.
كما لو كان الناس على علم بموعد العملية الأمنية وساعة الصفر؛ فما إن تواردت الأنباء عن محاصرة قوات الأمن لمنازل يتحصن فيها الإرهابيون، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات تضامن ومساندة، ودعوات السلامة لرجال الأمن، والإجماع على أن أمن واستقرار الأردن فوق كل اعتبار أو خلاف سياسي. وأكثر من ذلك، موقف قاطع من الإرهاب والإرهابيين.
شعر الجميع بالقلق؛ كان هذا واضحا في تعليقاتهم. وقد كانت بحق ليلة طويلة على الأردنيين، تداعت فيها أسئلة كثيرة: هل أصبح “داعش” بيننا بشكل رسمي؟ مجرد مجموعة عابرة كانت تحت عين المخابرات منذ البداية، أم هي خلية في تنظيم وجد مستقرا له في البنية الأردنية؟
أردنيون أم من جنسيات عربية؟ ماذا كانوا يخططون، وما هي أهدافهم المحتملة؟
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير، تناسلت في الساعات السبع من الليل. لكن الأهم أن أحدا لم يكن لديه الشك بالفوز في المواجهة مع الإرهابيين. الثقة بقدرة الأجهزة الأمنية على الحسم كانت مطلقة. الالتفاف حول القيادة كان آسرا.
لم يكن الخوف هو مرد القلق، وإنما الرغبة في عدم إعطاء الإرهابيين فرصة للتشفي بنا، في مواجهة مفتوحة لم يتعود الأردنيون على خسارة جولة من جولاتها، مهما غلت التضحيات.
وثمة شيء أعمق في نفوس الأردنيين، وهو الإصرار على أن بلادهم لن تكون يوما مثل بلدان أخرى مستباحة من الجماعات الإرهابية؛ تضرب متى شاءت، ولا تحسب حسابا لقوة الدولة وأجهزتها.
وبهذا المعنى كانت عملية إربد مناسبة جديدة لاختبار الثقة الراسخة بقدرات الأجهزة الأمنية وسلطة الدولة. ولهذا علّق أحدهم بفخر على “تويتر”: “تذكروا أيها الإخوة أن قوات الأمن هي من هاجمت الإرهابيين في جحورهم، وليس العكس”. وردد كثيرون: “ساعات قليلة وستسمعون الأنباء السارة”. وما هي إلا ساعات بالفعل حتى أعلنت قوات الأمن انتهاء العملية وسحق سبعة من أعضاء الخلية الإرهابية؛ المزنرين بالأحزمة الناسفة، ومن تحتهم وفوقهم أكوام من الرشاشات والمتفجرات كانوا يعدونها لسلسلة من العمليات الإرهابية الخطيرة. وقبل هؤلاء كانت الجهات المعنية ألقت القبض على نحو عشرين عنصرا من المرتبطين بالمجموعة الإرهابية.
عملية إربد قد لا تكون الأخيرة؛ نحن وسط بحر يعج بالإرهابيين. وليس هذا فحسب؛ بيننا أيضا من هم في خندق “الدواعش” القتلة؛ فالمتورطون في خلية إربد كلهم أردنيون، عاشوا معنا، ووسط مدننا.
المهم أن يظل الأردنيون على بأسهم ووحدتهم في الحرب مع الإرهابيين والتكفيريين. قوة الأمن في اصطفاف الشعب من حولها. عندما تقدم الشهيد البطل راشد الزيود الصفوف، كان مدفوعا بخزان لا ينضب من الثقة على أكتافه. بوحدة الأردنيين وتماسكهم واجه القتلة، ومن أجلهم ارتقى شهيدا.