عروبة الإخباري- لا تبدد “النتائج المريحة” التي اعلنها فريق العمل الدولي برئاسة الموفد الاممي ستيفان دي مستورا، أمس، حقيقة أن الهدنة السورية تقف على عتبة الانهيار، مع نحو ثلاثين خرقا في يومها الاول.
ويرجح المراقبون فرضية ان تراشق الاتهامات بإفساد الهدنة، لن يؤثر على مسار الاتفاق الاميركي الروسي بأن الهدنة وإن لم تستمر، فإنها ستشكل منطلقا قويا لحل المعضلة السورية.
رئيس المركز الروسي للمصالحة بين أطراف النزاع في سورية سيرغي كورالينكو، اعلن أن وقف إطلاق النار لا يزال صامدا بشكل عام، لكنه تم رصد 9 حالات لخرقه خلال 24 ساعة.
وقال كورالينكو في بيان، امس الأحد، إن من بين هذه الحالات قصف بلدة الكبانة في ريف اللاذقية، وكذلك اختراق الحدود السورية من قبل مجموعة من المسلحين قوامها نحو 100 فرد من ناحية تركيا.
وذكر أن هذه المجموعة استولت، وبتنسيق مع عصابات مسلحة أخرى، على الأحياء الشمالية من بلدة تل أبيض شمال محافظة الرقة، وذلك بدعم من المدفعية التركية. وأضاف: “تحققنا في وقت لاحق من صحة هذه الأنباء التي أكدت عبر قنوات متعددة بما فيها قوات سورية الديمقراطية”.
وذكر كورالينكو أن المركز الروسي للمصالحة اتصل بالمركز الأميركي للمصالحة السورية في عمان للاستفسار حول القصف الذي سجل من الجانب التركي، نظرا لأن تركيا عضو في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد “داعش”.
وأفاد بيان وزارة الدفاع الروسية بسقوط قتلى وجرحى بين مقاتلين ومدنيين جراء قصف مسلحي “جبهة النصرة” (فرع من تنظيم القاعدة) لوحدات الدفاع الوطني في ريف اللاذقية.
كما جاء في البيان أن القوات الحكومية السورية لم ترد على قصف دمشق من جوبر والغوطة الشرقية، يوم السبت، وذلك استجابة لطلب من مركز المصالحة الروسي.
اما المتحدث باسم المعارضة السورية، فقد اعلن الأحد، ان وقف الأعمال العدائية في سورية انتهك 15 مرة من قبل القوات السورية وحلفائها في اليوم الأول من دخول الهدنة حيز التنفيذ.
وصرح المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية سالم المسلط “وثقنا في اليوم الأول للهدنة 15 خرقا من قبل القوات السورية من بينها اثنان من مسلحي حزب الله اللبناني في الزبداني، غرب دمشق.
وأكد سالم المسلط الأحد أن المعارضة ستلتزم بوقف القتال رغم وقوع 15 انتهاكا على الأقل لوقف إطلاق النار.
وقال المتحدث إن الهيئة سترفع شكوى إلى الأمم المتحدة والدول التي تدعم عملية السلام، مضيفا أن المعارضة تنتظر إجابات بشأن طريقة مراقبة الهدنة التي بدأت بعد منتصف ليل السبت.
من جهته، سارع المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، الى التأكيد أن البيان الروسي الأميركي بشأن الهدنة في سورية يحتوي على آلية للتعامل مع حالات خرق وقف إطلاق النار في البلاد.
وفي حديث لوكالة “إنترفاكس” الروسية، الأحد ، قال بوغدانوف: ” اتفقنا على آلية التعامل في حال حدوث خروقات، كما أن العسكريين الروس على اتصال وثيق مع نظرائهم الأميركيين حول هذا الموضوع”، إضافة إلى عقد وزارة الدفاع الروسية مؤتمرات صحفية يومية.
ومع سريان الهدنة السورية ورغم الكلام عن تحذير روسي من خطة اميركية بديلة، تتحدّث تقارير غربية عن استعداد روسي اميركي لتمهيد الساحة السورية لما بعد الرئيس بشار الاسد.
ومع سريان الهدنة، بدأ الحديث عن اتفاقات سياسية يجري العمل عليها تتعلق بمصير النظام السوري. فوقف النار، ليس مجرد عملية عسكرية وامنية برعاية غربية، انما هو جزء من الاتفاق الذي توصل اليه الرئيسان باراك اوباما وفلاديمير بوتين، والمتعلق بالعملية السلمية التي يفترض ان تجتازها سورية وفقا لبيان اجتماع ميونيخ. وقد ربطت تقارير غربية ، بين الاتفاق لوقف النار والعملية السياسية، يمكن ان تمتد منذ لحظة وقف النار وصولا الى تغيير النظام السوري، رغم النفي الروسي والتحذير من اي خطة اميركية بديلة عن وقف النار.
وقبل الاعلان رسميا عن اتفاق وقف النار ونشر نصه عبر الدوائر الرسمية، باشر بوتين واوباما ووزيرا خارجيتيهما سيرغي لافروف وجون كيري، اتصالاتهما ولقاءاتهما، من اجل تحييد الدول الاقليمية سواء تلك الداعمة للنظام السوري او تلك الرافضة بقاءه في شكل مطلق.
و فرضت واشنطن وموسكو قيودا على التحرك التركي وتدخله مع المعارضين السوريين، وابلغتا انقرة انهما لن تسمحا لها، بعد تدخلها الطويل في حروب سورية باي دور عملي ولا سيما في استمرار دعمها للمعارضين السوريين في المرحلة الاولى لتطبيق الاتفاق، لكن قد تجري الاستعانة بها خلال المرحلة الثانية من الاتفاق اي التي تشهد شن حملة عسكرية على تنظيم داعش.
وتولت روسيا ابلاغ ايران ضرورة قبول الاتفاق وعدم عرقلته. وابلغت ايضا جميع الاطراف المتورطة بالحرب السورية ان الدولتين ستتعاملان بحزم مع الدول والاطراف المحلية في سورية التي تعرقل وقف النار.
ولا تتجاهل موسكو وواشنطن احتمال إحباط أيّ اتفاق نهائي ولكن هذا الابلاغ لا يعني ان الدول المعنية اعطت موافقتها على الخطة الاميركية الروسية، فيما تتضمن خطة اوباما وبوتين مرحلة سياسية تلي وقف النار. وبعد اسابيع من المفاوضات التي يجريها الديبلوماسيون الاميركيون والروس، جل ما تحقق حتى الان منع العمل البري في سورية.
اما ايران التي تدفع كلفة مالية عالية لحربها في سورية، اضافة الى تورط حزب الله في سورية والثمن الذي تدفعه واياه في مقتل عناصرهما، فقد اعطت موافقتها المبدئية على الخطة الروسية، في ظل استمرار الاسئلة حول نهائية موقفها من الاتفاق بصيغته الكاملة اي مصير النظام السوري، لا وقف النار فحسب.
وتشمل الخطة في شق اساسي مصير النظام السوري الذي لا تمانع موسكو تغييره، وفقا لهذه التقارير، خلافا للانطباعات العامة التي ترافق تدخلها العسكري في سورية. فروسيا التي بدأت عملية استثمار واسعة لجيشها في سورية، انما تضع الى جانب خططها العسكرية عملية ممنهجة في تعيين رموز ومفاتيح في المناطق التي تستعيدها مع الجيش السوري، الذي تعول عليه واشنطن وروسيا معا، وعلى عدم انفراط عقده، وهو ما بدا واضحا في نص اتفاق وقف النار الذي اعطى للقوات المسلحة السورية دورا في قصف التنظيمات الارهابية الى جانب دول التحالف، اذ لا تزال تجربة الجيش العراقي والعمل على تفكيكه واعتراف واشنطن بخطأ ما فعلته حين سمحت بانهيار هذا الجيش، ماثلة امام جميع العاملين على خطوط التسوية السورية، والمحللين والخبراء الاستراتيجيين منذ ان بدأ الحديث عن تغيير النظام السوري. لذا يبدو منطقيا بالنسبة الى هؤلاء عدم تكرار التجربة والمس بتركيبة الجيش السوري ووضعيته.
اضافة الى ان روسيا بدأت عملية اتصال وتنسيق مع مجموعات واقليات سورية ذات انتماءات عرقية وطائفية معينة، على الارض في اطراف من سورية بغية التنسيق العملاني وإعداد اطار ما بعد تثبيت وقف النار.
وبحسب التقارير فان خطة روسية اميركية تقضي بتأمين عملية انتقال سلمية سبق الحديث عنها، تزامنا مع سيطرة القوات السورية “الموالية لروسيا” في مناطق عدة في سورية في مواجهة التنظيمات الاصولية. وهذا الامر سيترافق في الوقت نفسه مع الإعداد على مستوى رفيع بين البلدين وفي ظل قيادة التحالف للقيام بعملية عسكرية واسعة ضد تنظيم داعش والنصرة واي تنظيمات توضع على لائحة الارهاب الدولية، او حتى التي لا تلتزم وقف النار. وستبدأ العملية التي يعد لها على مستوى رفيع بين قادة الدول المعنية مباشرة، حملة جوية مركزة يجري التمهيد لها مع تحسن الاحوال الجوية، مع كل دول التحالف في ضربات مركزة وكثيفة من اجل تضييق الخناق على هذه التنظيمات وشل قدرتها على التحرك تمهيدا للقضاء عليها. وتشير هذه التقارير الى ان الطرفين الروسي والاميركي يحشدان الدول الحليفة، ديبلوماسيا وماليا وعسكريا، من اجل العملية العسكرية ضد داعش والنصرة، وباشرا وضع اجندة عسكرية مفصلة لهذه العملية التي يجب ان تبدأ مع فصل الربيع، ولا يتوقع ان تنتهي قبل اشهر قليلة، تجري فيها في الوقت نفسه عملية الإعداد لما بعد الاسد.
لكن هذا لا يقلل من خطورة واهمية مواقف القوى التي يمكن ان تعرقل مثل هذه الخطة المشتركة. بعض القوى يعترض على الشق السياسي والبعض الاخر على الشق العسكري. فالموقف الايراني لا يزال متريثا في التعامل مع التحرك الروسي الواسع النطاق سياسيا، وخصوصا ان روسيا تحاول ان تسحب سورية من يد ايران، بحسب التقارير الغربية، وتعمل على تطبيق استراتيجتها فيه، بما يمكن ان يتوافق مع سياستها العامة في الشرق الاوسط وفي اكثر من نقطة نزاع حاليا سواء في اوروبا الشرقية او حتى في شمال افريقيا وليبيا تحديدا.
ولا يخرج ايضا موقف حزب الله، الضالع مباشرة في الحرب السورية وفي دعم الاسد عن اطار الاسئلة حول الارتدادات التي ستخلقها اي ترتيبات اميركية روسية حول سورية عليه. من دون ان تتجاهل موسكو وواشنطن احتمال قيام اي من الدول الاقليمية ايضا، بإفشال اي اتفاق نهائي في شأن سورية، وخصوصا اذا لم يكن يصب في نهاية المطاف في مصلحتها، ولم يكن لها حصة وازنة فيه.(وكالات)