منذ أشهر، تجري مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لوضع برنامج جديد للإصلاح الاقتصادي يطبّقه الأردن بإشراف المؤسسة الدولية، للتخفيف من مشكلات المملكة المالية والاقتصادية.
رسميا، لم نسمع أي تصريحات لمسؤولين أردنيين يخبرون من خلالها مواطنيهم بشأن ماهية الاتفاق المزمع التوقيع عليه. ولم يخرج بيان صحفي واحد يشرح للناس أو يهيئهم لما ينتظرهم من قرارات صعبة خلال السنوات الثلاث المقبلة، هي مدة الاتفاق الجديد؛ لاسيما أننا سمعنا عبارة مقتضبة لوزير المالية د. عمر ملحس، مضمونها أن “الصندوق” يطالب باتخاذ قرارات قاسية؛ إنما من دون أن يوضح، ولو بالحد الأدنى، ما هي هذه القرارات، وكيف ستتعامل الحكومة معها.
المعلومات المتسربة، وهي قليلة جدا، تقول إن “الصندوق” طلب إلى الحكومة زيادة الإيرادات بما قيمته 500 مليون دينار. الأمر الذي يعني مزيدا من قرارات الجباية لتحصيل هذا المبلغ، ومن ثم تخفيض عجز الموازنة العامة والعجوزات الأخرى. لكنها، في المقابل، قرارات ستزيد نسبتي الفقر والبطالة خصوصاً، وهما اللتان ارتفعتا أصلاً، كما أظهرت إحصاءات رسمية غير معلنة، لتصلا إلى 20 % للفقر، و15 % للبطالة.
من جديد نشهد تخبطا في التخطيط المالي، وعودة إلى السبب الأول والرئيس لمعظم مشكلاتنا الحالية، وهو التوسع في الإنفاق، ومن ثم زيادة حجم الموازنة العامة، بحيث قفزت خلال العقد الماضي من 4 مليارات دينار إلى حوالي 8.5 مليار دينار حالياً.
الإصلاح المالي الحقيقي كان يقتضي تثبيت حجم الموازنة، أقله لثلاث سنوات، بحيث تبقى عند حدود 8 مليارات دينار. وهو أمر كان قابلاً للتطبيق لولا الإسراف والمبالغة في النفقات، وأهم من ذلك غياب حس المسؤولية، في كثير من الحالات، لدى اتخاذ القرارات المالية.
وكان تطبيق التثبيت قد بدأ فعلا في عهد وزير المالية السابق
د. أمية طوقان، إذ بقيت قيمة الموازنة في العامين 2013 و2014 عند حدود 8 مليارات دينار. وكانت المصلحة تقتضي أن لا تزيد على ذلك، إلا أن ما حدث هو العكس.
اليوم، وفي خضم التفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي يصرّ على زيادة الإيرادات بمقدار نمو حجم الموازنة للعام الحالي مقارنة بالعام 2015، وقعت الحكومة في حيص بيص. وقد عقدت سلسلة اجتماعات لتخفيض النفقات بمقدار الزيادة المطلوبة من “الصندوق”، خشية من ردود الفعل الشعبية حيال أي قرارات قاسية جديدة تقوم على الجباية في حال الخضوع لمطالب المؤسسة الدولية.
وهذا التخبط الجديد يؤكد، بدوره مرة أخرى، سوء التخطيط المالي، وبما يصعّب بالمحصلة فكرة الإيمان بقدرة الحكومة على إحداث الإصلاح المالي المطلوب، طالما هي لا تملك الرؤية والاستراتيجية الواضحة لذلك، كما تُظهر التطورات.
هكذا، يكون ممكناً القول، وبصراحة، إن التخطيط للبلد ماليا لم ينصلح حاله، وليواصل جرّ الاقتصاد إلى مصير خطير إن بقيت إدارة الأمور بالعقلية السائدة ذاتها؛ فهي لن تجنب الموازنة أزمات خانقة، كما لن تساعدنا على التخرج من برامج “الصندوق” لسنوات مديدة مقبلة.
إزاء ذلك، فإن الحل الممكن ينطلق ابتداء من تذكر بدهية أن الأردن ليس بلدا نفطيا. وبالتالي، حتمية إدارته تبعا للموارد المتاحة، وليس استناداً لأمنيات مسؤولين. فضبط النفقات العامة وتثبيتها ممكنان، بغية محاصرة الأزمة، والتي تفاقمها خفّة في الإدارة المالية، تبدو جلية حين يتم في يوم تقرير زيادة النفقات، ثم تكون الحيرة في اليوم التالي في سبل ضبطها! وبصراحة، لا أعرف ما الدافع لزيادة النفقات أمس، فيما صار الهدف اليوم تخفيضها!
من حق المجتمع أن يعرف ما الذي ينتظره. فكما أن الحكومة تحتاج لتخطيط شأنها المالي، كذلك هو المواطن صاحب الدخل المحدود، لأنه الأساس في تطبيق اتفاقكم مع الصندوق، أم أن القرارات الصعبة ستطبق على شعب آخر.