ملفان لا ثالث لهما يحتلان صدارة الاهتمام أردنيا، الآن وفي المستقبل؛ الاقتصاد والأزمة السورية.
في مرحلة سابقة، كان ملف الإصلاحات السياسية محل اهتمام وعلى أعلى مستوى. لكن هذا الملف يقترب من نهاية موفقة بعد إنجاز حزمة التشريعات المطلوبة؛ قوانين اللامركزية والأحزاب والبلديات، وأخيرا قانون الانتخاب المتوقع إقراره خلال أسابيع قليلة.
ما تبقى من مواضيع داخلية يمكن إدارتها من دون القلق من تحديات أو مفاجآت، وهي لا تعدو أن تكون أجندة العمل اليومي للسلطات التنفيذية، تتعامل معها حسب مقتضى الحال.
مصدر الصداع الحقيقي في رأس الدولة يأتي من الوضع الاقتصادي الصعب، وتداعيات الأزمة السورية. حديث جلالة الملك الأخير لمحطة “بي. بي. سي” يؤشر على ذلك بوضوح.
ثمة علاقة أكيدة بين الملفين؛ فأعراض الأزمة السورية أكثر ما تظهر على الاقتصاد، قبل الأمن والحدود. وتتجلى في انسداد الآفاق أمام الصادرات الأردنية، وتردد المستثمرين في القدوم إلى منطقة مشتعلة بالحروب.
لكن قبل الأزمة في سورية وبعدها هناك مشكلات بنيوية تواجه الاقتصاد الأردني، لم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجتها بالشكل المطلوب. معيقات الاستثمار وتشدد المنظومة البيروقراطية في مقدمتها، ناهيك عن تضارب التشريعات، وضعف استجابتها لحاجات المستثمرين.
العام الحالي يبدو حاسما على المستوى الاقتصادي؛ إذ ثمة إدراك عميق لدى أصحاب القرار بأن المستوى المعيشي للمواطنين بلغ مرحلة حرجة لا يمكن السكوت عنها، ولا بد من حلول خلاقة لتخفيف معاناة الفئات الشعبية المسحوقة، وتخفيف كلف المعيشة وتحسين مستوى الخدمات العامة، وخلق فرص عمل تستوعب القوى العاملة المتدفقة إلى السوق.
أرقام الفقر والبطالة التي تسربت عن جهات رسمية مؤخرا تثير الرعب، ولا بد أن تدفع لاتخاذ قرارات استثنائية لاحتواء الظاهرتين قبل أن نمضي إلى نقطة اللاعودة.
الأزمة السورية عالمية بامتياز، ولسوء حظنا أننا في جوارها الأقرب، ونتأثر بكل تطوراتها. استمرار الحرب في سورية يعني استنزافا مستمرا للموارد والقدرات، ونفقات عسكرية وأمنية ولوجستية هائلة، وفوق ذلك المزيد من اللاجئين. تقسيم سورية يضعنا أمام تحد جيو-سياسي خطير، لم نعهده طوال قرن من الزمن. وجود كيان إرهابي على مقربة من حدودنا يفرض علينا المشاركة الدائمة في الحرب الكونية ضد الإرهاب، ويعرض أمن مدننا لخطر مميت.
انهيار سورية أخطر على الأردن من أزمة العراق وما واجهنا من مخاطر. الأردن وسورية امتداد لجغرافيا واحدة، وتركيبة سكانية متداخلة، ومصالح متشابكة.
ولهذه الاعتبارات كلها تستحوذ الأزمة السورية على تفكير صانع القرار، وتفرض عليه حالة دائمة من التأهب واليقظة والعمل وسط حقل من الألغام. معظم النشاط الدبلوماسي والمناورات السياسية والتحالفات والتفاهمات موجهة للجبهة السورية.
أزمة معقدة ومتغيرة، تتطلب قدرة فائقة على التكتيك السياسي، والاستجابة السريعة للمفاجآت، لتخفيف الخسائر المترتبة على المصالح الوطنية العليا للدولة.
ومشكلة الأردن مع الأزمة السورية أنه بلد صغير في الإقليم لا يستطيع التأثير بمجريات الأزمة داخليا، لكنه أكثر المتأثرين بها. يقف على الدوام في وضعية الدفاع عن النفس، ويختار المناطق الرمادية كي لا يدخل في صدام مكلف.
إلى جانب الوضع الاقتصادي، تحضر الأزمة السورية ككابوس يؤرق ليلنا الطويل.