اللاجئون في أوروبا يضمّون إرهابيين مندسّين ومجرمين ولصوصاً، وقد رأينا نموذجاً عنهم في كولون ومدن أوروبية أخرى. إلا أن عدد هؤلاء بين اللاجئين الحقيقيين الهاربين من الموت قد لا يتجاوز عشرات، ما يعني أن نسبتهم من المجموع أقل من عُشْر واحد في المئة.
دول أوروبا دخلها السنة الماضية أكثر من مليون لاجئ، واعتبر قادتها ذلك دليلاً على التزامها بحقوق الإنسان ورغبتها في المساعدة. ربما كان هذا صحيحاً، لكن مقارنة بسيطة تُظهِر أن أربعة ملايين لاجئ سوري دخلوا مصر ولبنان والأردن والعراق وتركيا في السنة نفسها، أي أن دولنا الفقيرة مقارنة بأوروبا قدّمت أضعاف ما قدّم الأوروبيون.
الأردن بلد من دون موارد طبيعية تُذكَر، إلا أنه يستضيف مئات ألوف اللاجئين السوريين منذ بدء الثورات الشعبية سنة 2011. هو ناشد الأمم المتحدة والعالم المساعدة، وسنرى إذا كان مؤتمر للدول المانحة في لندن سيوافق على طلبه 1.6 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات لتمويل خدمات للاجئين تشمل التعليم والصحة وغيرهما. والملك عبدالله الثاني كان صريحاً وصادقاً في مقابلة تلفزيونية وهو يحذر من انفجار الوضع.
قارنوا معي الآن بين الأردن المحدود الموارد والدنمارك الثرية جداً فهي أصدرت قانوناً يسمح لها بمصادرة ما يحمل اللاجئون من مجوهرات أو مال، فيُترَك للاجئ مبلغ حدّه الأقصى 1450 دولاراً. مثل هذا القانون موجود الآن في ألمانيا وسويسرا.
هذه القوانين تعني أن تسرق أغنى دول العالم من لاجئين فارّين من الموت.
في ألمانيا كانت المستشارة أنغيلا مركل رحبت باللاجئين وقالت أنهم سيفيدون بلادها، ثم غيّرت رأيها بعد ردود الفعل السلبية على أحداث كولون، وأصبحت حكومتها تدرس ترحيل عشرات ألوف اللاجئين. أحد المستفيدين من تجاوزات بعض المندسّين بين اللاجئين كان حزب «البديل لألمانيا» الذي تقوده فرانكي بيتري. هي طالبت بالسماح للشرطة بإطلاق النار على اللاجئين، وتعرضت لإدانة واسعة النطاق. إلا أن هذا لم يمنع أن يزيد عدد أنصار حزبها اليميني في شكل غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة.
طبعاً، أكتب كمواطن عربي أحبَّ سورية وأهلها صغيراً وكبيراً. غير أن رأيي ليس وقفاً عليّ وحدي، فالافتتاحية في «نيويورك تايمز» عن الموضوع كان عنوانها «قسوة الدنمارك إزاء اللاجئين». أما افتتاحية «واشنطن بوست» فكان عنوانها «سياسة الدول الغربية إزاء اللاجئين تؤذيهم ولا تنفعهم».
الآن أطلب من القراء أن يقارنوا معي بين دول أوروبا الثرية ودولة أوروبية مفلسة هي اليونان. في مباراة كرة قدم بين فريقين من الدرجة الثانية هما لاريس وأشارنايكوس أطلِقت صفارة بدء اللعب، فجلس لاعبو الفريقين دقيقتين على الأرض انتصاراً للاجئين واحتراماً للذين غرقوا في البحر.
الآن دول أوروبا الثرية تبني حواجز لمنع اللاجئين من دخولها، ما يعني أن يبقى هؤلاء في اليونان التي كانت لهم محطة «ترانزيت» لا إقامة. ومرة أخرى يحدث هذا في بلد مفلس، إلا أنه كان دائماً إلى جانب العرب منذ وقف المرشدون اليونانيون للسفن مع مصر عندما أمَّم جمال عبدالناصر قناة السويس سنة 1956.
هل يريد القارئ مزيداً؟ في دول أوروبية كثيرة أصبحت هناك فرق أو ميليشيات لحماية البنات المحليات من تحرشات اللاجئين، حتى أنني سمعت عن مثل هذه «الدوريات الشعبية» في فنلندا التي كانت دائماً نموذجاً للسلام.
مرة أخرى أدين المهاجرين المزورين الذين أساؤوا إلى دول الضيافة وأطلب طردهم بعد إيقاع عقاب رادعٍ بهم. إلا أنني في الوقت نفسه أنتصر للاجئين السوريين، ثم أشكر الكويت فهي تتقدم العالم كله في التبرع للاجئين السوريين، وفق تقرير لجمعية أوكسفام الخيرية، كما أشكر الإمارات العربية المتحدة وقطر أيضاً فهما ضمن قائمة المتبرعين. أين الآخرون؟ لا جواب عندي.