في مثل هذه الفترة من العام الماضي، المتزامنة مع عيد ميلاد جلالة الملك عبدالله الثاني، لم يكن بال جلالته مرتاحاً تماماً. فقدر هذا البلد أن يعاني دوماً من أزمات وظروف معقدة، تفرضها أحوال الداخل، كما معطيات الإقليم.
من عام لآخر تتغير الملفات، ويتبدل ما يشغل بال الملك. واليوم مع عيد ميلاده الرابع والخمسين، يبدو ذهن جلالته مشغولاً بكثير من الملفات، ولديه أجندة عمل طويلة.
“ما الذي يشغل الملك؟” هو السؤال الذي سعينا إلى الإجابة عنه في ملحق خاص تصدره “الغد” اليوم بمناسبة عيد ميلاد الملك. كما سعينا إلى إبراز كيف يفكر ويخطط جلالته لرسم واقع أفضل للأردنيين، يؤسس في الآن ذاته لمستقبل يحمل الآمال لهم.
أهم القضايا التي تحملها الإجابة عن هذا السؤال، تتمثل في اللجوء السوري، وما يعنيه من عبء كبير يتحمله الأردن، شعبياً ورسمياً، جراء استضافة 1.4 مليون سوري في بلد محدود الموارد المالية والطبيعية. وهو العبء الذي فاقمه سوء تقدير دولي -نتج عنه بخل وتقتير من الجهات المانحة- في التعاطي مع الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد نتيجة أكبر حركة لجوء تستقبلها المملكة الرابعة. إذ زاد عدد السكان بالأردن، خلال السنوات القليلة الماضية، بمعدل يصل 10 % سنويا؛ فيما قدر الارتفاع المتراكم بحوالي 20 %.
الانشغال بهذا الملف يتزامن مع شعور ملكي عميق بصعوبة الظرف الاقتصادي الذي يعيشه الأردني حتى قبل قدوم السوريين. وليس الأمر سراً؛ إذ باح جلالته بذلك في أكثر من مناسبة، منها مقابلات صحفية متعددة.
لكن القلق على الوضع الاقتصادي يتجاوز الهواجس إلى التفكير في سبل للتخفيف من الأزمة الاقتصادية، عبر البحث عن مخرج يخفف من صعوبة الواقع، لاسيما بجلب استثمارات جديدة توفر فرص عمل للأردنيين، كما اللسوريين أيضا.
الحلول هنا عملية، وهي اليوم ترتكز على محورين. الأول، إنشاء الصندوق الاستثماري الذي يفترض أن الحكومة شرعت بوضع قانون له، وبما يمكّن المملكة من استقطاب استثمارات جديدة تستهدف أساساً تخفيف معدلات البطالة، تحديداً بين الشباب الذين يوليهم الملك اهتماماً خاصاً، إيماناً منه بأهمية دورهم حاضراً ومستقبلاً.
الملف الآخر الذي بُذل بشأنه جهد ملكي كبير هو مؤتمر لندن، المزمع عقده الشهر المقبل، للدول المانحة بشأن أزمة اللجوء السوري. إذ عقد جلالته العديد من الاجتماعات مع مسؤولين دوليين وأجانب، قدم فيها الحالة الأردنية باقتدار. إذ جاء الشرح وافياً دقيقاً بما يقنع الجهات المعنية؛ منظمات ودولاً، بضرورة تقديم العون للأردن في المرحلة الحالية، بحيث يتمكن من مواجهة آثار اللجوء الكبيرة، والتي لم تكن دول غنية ومتقدمة لتستطيع استيعابها، فكيف بشأن الأردن؛ وهو البلد الفقير بموارده، إنما الغني بقيمه التي لم تسمح له بصد الأشقاء المهجرين رغم ضيق ذات اليد.
الآن، تم نقل إدارة هذا الملف للحكومة، التي ستتولى التفاوض لجني النتائج المتوخاة من المؤتمر، عبر التأكيد على حقيقة بيئة المملكة الجاذبة للاستثمارات، والتي سيخدم استقرارها في الأردن كل من يقيم على هذه الأرض، كما سيخدم المستثمرين حتماً في الوقت ذاته.
كل ذلك يلتقي ويتكامل مع القضية الأخرى التي تشغل الملك أيضا، وهي حماية أمن الأردن، بحماية إنسانه كما حدوده. لذا نجد جلالته داعما دائماً للأجهزة الأمنية التي تحمي استقرارنا وتسهر على سلامتنا؛ ونراه متابعا مهتما لكل ما يمكن أن يساهم في تحسين إمكانات هذه الأجهزة الوطنية. وبالتزامن مع ذلك، تبرز جهود جلالته الدؤوبة الكبيرة، والمقدرة من مختلف الأطراف، في الحرب على الإرهاب في مختلف بقاع الدنيا، من المنطقة العربية وحتى أفريقيا. كما يبرز هنا دور جلالته على صعيد الأداة الأهم في هذه الحرب، والمتمثلة في إيصال الصورة الحقيقية للإسلام، وهو القائد العربي المسلم الذي قدم نموذجاً فعلياً بالعبور بوطنه وشعبه إلى بر الأمان، ضمن إقليم مضطرب بكل أشكال الاقتتال.
كل عام والأردن وملكه وشعبه بألف خير.