عروبة الإخباري – سلطنة عمان.. رغم أن هذا الاسم لا يتكرر في الإعلام العربي، فإن هذا الأمر لا ينعكس على النشاط الدبلوماسي النشط للسلطنة الذي ربما أحيانا يبدو وكأنه يغرد خارج السرب الخليجي أو أنه يناهض التوجه السعودي تحديدا.
فالسلطنة تجيد التعاطي مع الواقع “بعقل إنجليزي بارد”، تدير الأمور وفقا لمصلحتها الاستراتيجية، تعتمد وقوفها كطرف محايد ومرجعي في كافة القضايا العربية والإقليمية، وبما يدعم المصالح المشتركة والاستراتيجية مع إيران في غالب الأحيان.
سياسة مضادة من خلف الكواليس
المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي اللواء الأردني المتقاعد، الدكتور فايز الدويري، يقول، إن “سلطنة عُمان لم تكن منذ عقود منسجمة مع التوجه العام للدول الخليجية”، مشيرا إلى أن “مواقفها تأتي دائما مغايرة لكل ما يتوجه له مجلس التعاون الخليجي باستمرار، في سياسة يصفها البعض بالمضادة”.
وبين اللواء الدويري أن “السياسة الخارجية لمسقط تختلف عن سياسة دول الجوار بشكل جوهري، حيث إنها تسعى لأن تكون عاصمة ذات صداقة مع كافة الدول والأطراف بما فيها الحليف الرئيس لها في المنطقة؛ ألا وهو إيران”.
وأضاف: “لديها رغبة جامحة لأن تكون دولة ذات استقلال سياسي، غير مرتبط بإملاءات من أحد، وخصوصا التبعية للمجلس الخليجي، حيث كثرت الشواهد في الآونة الأخيرة التي تعزز ذلك”.
فمواقف السلطنة التاريخية، ابتداء برفضها قطع علاقاتها مع مصر إبان إعلان الأخيرة معاهدة “كامب ديفيد”، والتي عارضتها معظم الدول العربية وقتها وعلى رأسها السعودية، وانتهاء بموقفها من رفض التدخل العسكري في عملية “عاصفة الحزم” الذي بدأه التحالف العربي بقيادة السعودية أيضا في آذار/ مارس الماضي ضد مليشيات الحوثيين الممولة من إيران باليمن، تظهر انتهاجها سياسة محايدة في ظاهرها، ما يعطيها فسحة تسنح لها اللعب بشكل مضاد من خلف الكواليس، لجعل موقفها أكثر تأثيرا.
سر علاقة مسقط بطهران
بدورها، قالت الباحثة والأستاذة الجامعية الأردنية المختصة في الشأن الإيراني الدكتورة فاطمة الصمادي إن “سلطنة عُمان تربطها بإيران علاقات قديمة شابها بعض الفتور في أكثر من مناسبة، لكنها امتازت بصورة أساسية ببناء إطار من التعاون، تعزز بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في العام 1970”.
وأشارت إلى أن “السلطنة حافظت على علاقات متينة بإيران بعد انتصار ثورة علي الخميني مطلع الثمانينيات”، وأضافت أن “هذه العلاقات الوطيدة استمرت حتى بعد اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية، حيث رفضت عُمان السماح للعراق بمهاجمة إيران من أراضيها، رغم الانحياز العربي الكبير ودعم الدول الخليجية للعراق”.
وتبين الدكتورة الصمادي أن “عُمان أدركت مبكرا أن الاتفاق بشأن الملف النووي يعد انفراجة في الاقتصاد الإيراني وتخفيفا للعقوبات، وهذا يعني فتح مجال للتعاون الاقتصادي بين مسقط وطهران بشكل مثمر أكثر”.
وأضافت أنه “في هذا الصدد، فإن التوقعات تشير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تقدما كبيرا للعلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان وإيران، بموازاة العلاقات الدبلوماسية والسياسية وحتى العسكرية القوية بين البلدين”.
وأوضحت أن “هناك تقديرات بأن قيمة التبادل التجاري بين البلدين تصل إلى مليار دولار سنويا”، وأنه “تشير أرقام رسمية عُمانية إلى أن التبادل التجاري بين البلدين في ما يتعلق بالصادرات غير النفطية العمانية والمتعلقة بالقطاع الخاص لإيران بلغت في 2013 ما قيمته 884.5 ألف دولار، بزيادة وصلت إلى 4.9% عن العام الذي سبقه”.
الدور السياسي الذي تلعبه السلطنة
تعمل مسقط في كثير من الأحيان على لعب دور المحكم الذي يجمع الفرقاء على طاولة واحدة بتوجيه قنوات التفاوض في السياق التي تراه السلطنة يصب في مصلحة بقائها الطرف الذي يعود له الجميع عند الاصطدام بحائط تعنت أطراف الخلاف.
وفي هذا السياق، بين المحلل الاستراتيجي اللواء الدويري أن “السلطنة العمانية كانت وما زالت تلعب بصورة منفردة، محاولة أن تكون مرجعية في قضايا الخلاف خصوصا في ما يتعلق بدول شبه الجزيرة العربية”.
وتابع القول، إنه “كان لها دور كبير في فض الخلافات بين الدول الخليجية وقطر”، مشيرا إلى أنها “لم تتساوق مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بل وعملت على استعادة المياه إلى مجراها بشكل جيد”.
من جانبها، تقول الخبيرة في الشأن الإيراني الدكتور الصمادي إن “دور عُمان كوسيط، له خلفية تاريخية ولا يمكن اقتصاره على استضافة جلسات التفاوض السرية التي تمت بشأن الملف النووي الإيراني والتي بدأت فعليا في زمن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد”.
مشيرة إلى أن “السلطنة لعبت دورَ وساطة بين إيران والسعودية وإيران وبريطانيا، ومثلت المصالح الإيرانية في عدد من الدول الغربية وفي مناسباتٍ عدة.. بل إنها كانت أيضا وسيطا بين مصر وإيران طوال فترة غياب التمثيل الدبلوماسي بينهما، كما ولعبت دورا في إنهاء ملف بعض الرهائن الغربيين وكان آخر ذلك تحرير سجناء أمريكيين اعتقلتهم إيران في طهران عام 2011”.
وقالت الصمادي إن “النقطة الحساسة في موضوع الدور العُماني المضاد، أنه عزز من غياب التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي”، مشيرة إلى أن “موقف السلطنة قد يكون بداية لانهيار مجلس التعاون، خاصة وأن العلاقات العُمانية-الإيرانية لم تقف عند حدود العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية”.
وأضافت أن الأمور “وصلت إلى توقيع اتفاق دفاعي عسكري مع إيران في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي وكان من الواضح أن هذا الاتفاق يفتح المجال لتنسيق وتعاون عسكري لا يستهان به”، وقالت: “لعل المناورات البحرية المشتركة في مضيق هرمز دليل واضح على مستوى التنسيق الكبير في هذا الجانب، ما يهدد أمن بلدان مجلس التعاون الذي مسقط عضو فيه”.
مسقط تقود التطبيع العربي الإيراني
وفي ما يتعلق بتطبيع العلاقات العربية الإيرانية، أوضح الدويري أن “سلطنة عُمان عرابة التطبيع الإيراني العربي”.
وأوضح أن “سياسة السلطنة في ذلك (عملية التطبيع)، هي سياسة استراتيجية نابعة من وجود مصالح مشتركة قوية تربط الطرفين”، مشيرا إلى أن “عُمان تدرك أن طهران صاحبة قوة استراتيجية في المنطقة لا يمكن إغفالها على الإطلاق”.
ويُعتقد أن التجربة العُمانية في التعامل مع إيران مستلهمة الآن بين دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي لا سيما بشكل كبير في قطر والإمارات، اللتين قررتا التعامل بنوع من البراغماتية مع المشروع الإيراني، فيما لا تزال السعودية محتفظة بوجهة نظرها المتحفزة تجاه إيران.
ملفات ساخنة على طاولة التفاوض في مسقط
وتتصدر عمُان قضية تسوية الملف السوري، بعد نجاح مفاوضات النووي بين طهران – حليف نظام بشار الأسد – والدول الكبرى، خاصة بعد زيارة وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم للعاصمة العمانية مسقط، التي رأى مراقبون أنها جاءت بإيعاز إيراني لإيجاد منفذ تفاوضي يحفظ ماء الوجه لجميع أطراف المعادلة المعقدة.
ويقول مراقبون إن الملف السوري بأوضاعه الراهنة تحول إلى عبء استراتيجي على إيران، فهناك حالة استنزاف على مستوى الموارد البشرية، وعلى المستوى المالي، وعلى مستوى استخدام حزب الله، لذلك فإن إيران تريد أن تتخلص من هذا العبء، شريطة ألا تخرج من سوريا، بمعنى أنه يمكنها التضحية بالأسد أو بنظامه إلا أنها لا تريد فقدان الموقع الجغرافي، ولا يمكن لأحد أن يخرج طهران من هذا المأزق سوى سياسة سلطنة عُمان حليفها الاستراتيجي.
ويشير دبلوماسيون إلى أن هناك ضغوطا أمريكية على السعودية ودول الخليج للقبول بحل سياسي للأزمة السورية، وهو ما يجعل دور مسقط محوريا في الضغط على جارتها للتخلي عن فكرة رحيل الأسد كشرط للحل السياسي في سوريا.
وبحسب ما قال الخبير الإيراني بشؤون الشرق الأوسط سعد الله زارعي، فإن “الدول العظمى ما زالت ترشح سلطنة عمان لتلعب دورا رئيسا في المفاوضات السرية والحساسة التي تجرى الآن بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السوري”.
وليس من الواضح حتى الآن صورة الدور الذي من الممكن أن تلعبه مسقط في حل الأزمة السورية، لكنها تحتفظ بسجل وافر من الجهود الدبلوماسية السرية لحل الأزمات، طبعا بما يحقق مصالح حليفها الاستراتيجي الإيراني في المنطقة كقوة نافذة وذات نفوذ على الأرض.
وفي اليمن أيضا تحاول سلطنة عُمان منذ انقلاب الحوثيين على الشرعية أن تلعب دورها المفضل، فقد كثر الحديث الإعلامي عن وجود مبادرة جديدة ستكون عبارة عن وساطة، ستلعب سلطنة عمان فيها الدور الأكبر.
ويعزز ذلك تأكيدات الولايات المتحدة للمرة الأولى أن دبلوماسية أمريكية أجرت محادثات مع ممثلين لجماعة الحوثي في مسقط.
وتبذل السلطنة حاليا مساعي أخرى رسمية لإقناع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بقبول خطوة نقل الحوار بين الأطراف السياسية اليمنية إلى العاصمة العمانية مسقط، خاصة وأن جماعة أنصار الله الحوثي لم تبد اعتراضا على هذه الخطوة.
وعلى هذا المنوال، تحاول سلطنة عُمان جمع أطراف يتشاركون معها وجهة النظر في قضية اليمن لتمثيل ضغط على المملكة العربية السعودية.. ومن أبرز المرشحين لذلك دولة الجزائر التي امتنعت عن خوض غمار الحرب مع التحالف العربي في اليمن. وتحاول عُمان استمالة الموقف المصري رغم مشاركة مصر في الحرب، إلا أن ثمة بوادر ظهرت لدى مصر تؤكد على ضرورة الحل السياسي وهو الأمر الذي تتبناه عُمان.
وكانت سلطنة عمان تجاهلت الحديث عن استعادة الشرعية باليمن عقب عودة الحكومة الشرعية بقيادة خالد بحاح إلى عدن، وذلك خلال كلمتها بمداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها السبعين مؤخرا، واكتفت بالتأكيد أن اليمن قادر على استعادة الأمن والاستقرار، وركزت الحديث عن الإرهاب ومواجهته والمآسي الإنسانية والكارثية باليمن، ما يشير إلى الدور المناهض الذي تلعبه عُمان تجاه دول التحالف العربي لصالح النفوذ الإيراني في اليمن.
تبعات الاتفاق النووي الذي حققته مسقط
قالت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، إن الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان هما المستفيد الأكبر من رفع العقوبات عن إيران، بعد التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، بينما رجحت أن يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للدول المصدرة للنفط في شبه الجزيرة العربية والمناوئة لإيران وعلى رأسها السعودية.
وأكدت “موديز”، في بيان نشرته في أعقاب إعلان الاتفاق النووي الإيراني بأيام في حزيران/ يوليو الماضي أن “رفع العقوبات سيفيد الإمارات وعُمان على الأرجح، لأنه سيفتح المجال لزيادة تدفقات التجارة والاستثمار”.
في المقابل، توقعت الوكالة أن يؤثر رفع العقوبات عن إيران سلبا في التصنيف الائتماني للدول المصدرة للنفط، خاصة بعد الزيادة المتوقعة في الصادرات النفطية الإيرانية العام المقبل.عنـ”عربي21″