يشهد العالم الإسلامي في هذه المرحلة، أكبر حالة تشظٍّ وفوضى بعد الحرب العالمية الأولى.
إن الحروب والإرهاب والفوضى والتغيير المستمر في الحدود، تبين لنا أننا نشهد واحدة من مراحل التحول الكبرى التي تشهدها الفترة الراهنة.
إن حدود البلدان الإسلامية ومستقبل الشعوب، تتعرض لتغيرات جذرية، في مثل هذه الأوقات الحرجة. وبالتالي، فإننا سنشهد جميعًا مراحل مهمة، تتضمن أحداثا تاريخية مفصلية، وحروبًا، واتفاقات ستترك أثرًا مهمًا على صفحات التاريخ.
بلدان تنقسم وأخرى تشهد انقلابات عسكرية
نعيش في منطقتنا، منذ 4 سنوات وحتى يومنا هذا، في خضم تطورات مهمة للغاية، فشهدنا مرحلة “الربيع العربي”، وما تلاها من “الشتاء العربي”، حيث تغيرت العديد من الأنظمة في كثير من البلدان، وسقطت بعض الحكومات، فيما شهدت بلدان أخرى انقلابات عسكرية، وتعرضت أخرى للتقسيم، وفقد الآلاف من الناس أرواحهم.
إن ما شهدناه خلال السنوات الأخيرة من أحداث جسام، تركت تأثيرًا عظيمًا على العالم الإسلامي أجمع، وعلى جزء مهم من العالم. فالقارة الأوروبية اليوم، تعيش حالة من الصدمة، جراء تأثيرات أزمة اللاجئين، حيث جاء العديد من وزراء خارجية البلدان الأوروبية إلى تركيا على عجل، إضافة إلى زيارة أجرتها المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” شخصيًا إلى إسطنبول، لمناقشة أزمة اللاجئين والمشاكل الإقليمية الأخرى.
في الواقع، إن أوروبا التي تنظر إلى أزمة اللجوء (الهجرة) المؤثرة على العالم، على أنها نتيجة للأزمة المستعرة في سوريا بالمقام الأول، وفي العالم الإسلامي بشكل عام، ما كان لها أن تنبس ببنت شفة، لولا وصول أفواج اللاجئين المسلمين إلى حدودها. فالنار التي أحرقتنا على امتداد السنوات الماضية، بدأت حرارتها تصل إلى أوروبا، ما دفعها إلى التعبير عن عدم ارتياحها.
أوروبا لا ترغب في إيجاد حلّ لمشاكلنا
للأسف، لا تركز المحادثات التي تجري في تركيا، على ضرورة إنهاء حالة الفوضى، في كل من سوريا والعراق واليمن وفلسطين وليبيا، التي تشكل السبب الرئيسي لمشكلة اللاجئين، بل تتمحور حول عروض مالية أوروبية لتركيا، أشبه ما تكون بتقديم رشى، مقابل منع اللاجئين من العبور نحو الصقع الأوروبي.
من جهتها، تُصِرُّ تركيا على شرح الأسباب الجوهرية والعميقة للمشكلة، في مسعى لتوجيه دفة النقاشات نحو المسار الحقيقي، إلا أن أوروبا لا تكترث قيد أنملة بكل تلك التفاصيل.
هناك مسألة يجب علينا من الآن فصاعدًا أن نقبل بها كحقيقة مرّة، وهي أن أوروبا والولايات المتحدة وروسيا لا تريد أبدًا الحد من حالة الفوضى الهيستيرية التي تعصف بمنطقتنا، ذلك أنه لطالما كان الشرق الأوسط الضعيف، الذي يحكمه مستبدون، وتعصف به أزمات الحروب والفوضى أرضًا خصبة لتنفيذ مخططاتهم والحفاظ على استمرارية مصالحهم. ذلك أن تعزيز قوة واستقلال العالم الإسلامي لم يكن يومًا ليصب في مصلحة الغرب. وعليه، فإن توقع قيام الأمم المتحدة باتخاذ خطوات إيجابية على هذا الصعيد، هو شيء غير منطقي، بل هو ضرب من ضروب الخيال، لاسيما وأن الدول الـ5 الأولى المصنّعة للأسلحة والتي تسوّق وتبيع أسلحتها حول العالم، هي نفسها الدول الخمسة الكبرى دائمة العضوية وصاحبة القرار في الأمم المتحدة. لذا، فلم يخرج من ذلك المنبر، أي قرار يصب في مصلحة البشرية أو إيقاف الحروب. دعونا من إنهاء الحروب، لقد دخلت روسيا اليوم الحرب الدائرة في سوريا بشكل فعلي ومباشر على الأرض، لتزيد من تفاقم الحريق وأوار تلك النار، التي ستأتي على ما تبقى من الأخضر، وستتبعه باليابس.
دعونا نفكّر في مستقبل أبنائنا
علينا أن نفكر بمن سيوقف الحروب المشتعلة في منطقتنا، وما الذي سيدفعه لإيقافهما. لن يسعى أحد، لا من الشرق ولا من الغرب، لوقف تلك الحروب والعمليات الإرهابية، التي نقتل فيها بعضنا بعضًا.
طالما الشعوب القاطنة في العالم الإسلامي، تقوم بقتل بعضها بعضًا، وطالما المصالح الغربية لا تواجه أي خطر جراء تلك المعارك الجنونية، فلن يكون هنالك أي شخص يقول “كفى” لهذه الفوضى.
ولهذا السبب، يجب على المسلمين والبلدان الإسلامية، أن يضعوا عقولهم في رؤوسهم ويفكروا بمستقبلهم، أن يفكروا في أي مستقبل ينتظر أبناءنا؟، من سيدافع عن أرضنا وعرضنا، ومن سيرسم حدودنا في المستقبل؟، كيف سيكون مستقبلنا، ومستقبل ثقافتنا، وحضارتنا، وديننا؟.
على العالم الإسلامي أن يقرر مستقبله بنفسه، على الأقل هو مجبر على ذلك، من أجل مستقبل أبنائه. أيًا كان ما حدث، تنبغي على البلدان الإسلامية، إعادة بناء وتأسيس الأرضية اللازمة التي تمكن تلك البلدان من تبادل الأفكار المتعلقة بمشاكلهم البينية، ومناقشتها، لإيجاد الوسائل الناجعة من أجل حلها وتذليلها، فمستقبلنا مرتبطٌ بنا جميعًا، يجب علينا أن نفهم هذه الحقيقة.
كمال ازوتورك/من الذي سيقرر مستقبل أطفالنا؟
16
المقالة السابقة