عروبة الإخباري- كان يخشى الارتفاعات أو حتى الصعود على السُلّم، ومع ذلك كانت أولى مهامه الصعود إلى أحد أبراج الإرسال، شاهقة الارتفاع، في مدينة السلط لطلائه بالدهان.
صعد العامل الوافد سمير موسى، الذي اصطف بين معلمي الدهان واختير لتنفيذ مهمة الطلاء، بلا تردد إلى أعلى البرج، لكن سرعان ما أصابته فوبيا المرتفعات، وعندما رأى الناس والسيارات عبارة عن كائنات صغيرة أخذ جسمه يرتجف وقلبه يدق بتسارع، وبدأ يردد “المعوذات” وآيات من القرآن الكريم، وما زاد الطين بلة أن الفرشاة التي كان سيطلي بها وقعت على الأرض، ولم تعد تُرى بالعين المجردة..
انتبه لسقوط الفرشاة أحد العاملين معه فصعد إليه، قائلا له: “مابك”، فأجاب سمير: “سأموت.. أشعر بالهلع..كيف سأنزل، ماذا سأفعل؟!”.
أجابه صاحبه: “لاتقلق..استند إليّ..فأنزله من العلو الشاهق..”، وكانت تلك هي المرة الأولى في حياته التي يمد له أحدهم يد المساعدة، وإن كان ليس في الصعود، ولكن في “الهبوط الآمن”، ويقول سمير: “عندها احسست أنه كتب لي عمر جديد”.
يتذكر سمير، المهندس المصري المتخصص في التبريد والتكييف، أنه “لم يمُدّ لي أحد في يوم من الأيام يده لمساعدتي، وعندما كنت اطلب من معلّم الدهان الذي كنت أعمل معه تعليمي أصول العمل بالدهان كان يسوّف ويتهرب رافضا تعليمي، فاقتصر عملي على مسح ما يتساقط من دهان على البلاط او الرخام”.
ويقول سمير، الذي قدم إلى المملكة منذ نحو 26 عاما وعمره لم يتجاوز الـ30 عاما، :”عندئذ قررت أن اتعلم بنفسي، فذهبت إلى مكتبة أمانة عمان للحصول على كتب في علم الهندسة الانشائية والتشطيبات، وتعلمت أصول الدهان من الناحية النظرية، ومن ثم تدربت عليه عمليا، وبدأت أتجه إلى الدهانات الديكورية فأتقنتها وحضرت دورات مكثفة في تنفيذ أعمال الدهان الديكورية، وحصلت على شهادة من خبراء إيطاليين كدهين محترف، كما حزت على شهادات من أكبر شركات الدهان في عمان، واصبحت منتدبا في المحاكم كخبير في أعمال الدهان للفصل في القضايا الخلافية”.
ويضيف سمير، الذي مرّت مراحل عمله في عمان من تكسير الحجر إلى العمل في مطعم، إلى غسل السيارات وبيع الورد عند الجامعة الأردنية وصولا إلى عامل في الدهان: “كان طموحي ان أتجاوز رتبة العامل في الدهان، إلى أن أصبح معلم دهان، وهكذا كان، ثم عملت لأصبح صاحب عمل؛ حيث شرعت بتأسيس شركة رسميا تحمل اسم “شركة سمير موسى لأعمال الدهان والديكور”.. وهكذا تخلصت من عبء تصريح العمل، ولأحصل على رقم مستثمر وأحمل بطاقة مستثمر”.
ويستذكر سمير، الأب لخمسة أبناء، مسيرة حياته المهنية قائلا:” عملت كعامل في الدهان ولم أكن قد أمسكت بالفرشاة في حياتي، ولم أكن أعرف الفرق بين الزياتي أو الأميلشن، ومن ثم اصبحت معلما، وصاحب عمل ومالك شركة. وكنت احلم ان أطلي غرفة فأصبحت أحوز على عطاءات العديد من المجمعات التجارية الكبرى، والمشاريع الإسكانية، والفنادق، والفلل والقصور والمباني الحكومية. وتقاضيت 3 دنانير عن عملي لأول مرة، والآن يعمل لدي عدد كبير من العاملين لا تقل يومية أحدهم عن 30 دينارا”.
ورغم مرور تلك السنين، إلا أن أكثر ما يؤلمه هو أنه لم يعلمه أحد مهنة الدهان، ومع ذلك يتعهد سمير بفتح أبواب شركته للشباب المتعطلين عن العمل لتدريبهم على أعمال الدهان وتأمين عمل لهم في شركته بيومية لا تقل عن 20 دينارا، خلال التدريب.
المفارقة، أن شركة سمير موسى قد حازت أخيرا على عطاء لطلاء أحد الأبراج التجارية الشاهقة في منطقة العبدلي والتي يزيد عدد طوابقها على 22، لكن سمير في هذه المرة قد درّب العديد من الشباب العاملين معه على الصعود إلى قمة الأبراج لطلائها.. والهبوط، وحدهم، بأمان. وبدون مساعدة صديق!.