عروبة الإخباري- غالباً ما تحيط السرية بأسماء المرشحين للفوز بجائزة نوبل للسلام، ولكن ما رشح من الشائعات يرجّح كفّة المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل.
وفي انتظار إعلان النتيجة النهائية يوم الجمعة المقبل، بدأت التحليلات تدور حول الأسباب التي وضعت ميركل في مستهلّ قائمة المرشحين الـ 276 لنيل الجائزة. وينحصر الجواب بين عنوانين رئيسيين: أزمة اللاجئين والقضيّة الأوكرانيّة، بحسب ما نقلت صحيفة «بيلد» الألمانيّة الأسبوع الماضي، عن مدير معهد البحوث حول السلام في أوسلو كريستيان برغ هاربفيكن.
طرحت المستشارة الألمانيّة خطواتٍ عمليّة لحلّ أزمة اللجوء. صحيح أنها لم تلقَ ترحيباً كبيراً في الداخل الألمانيّ، إلا أن ميركل عملت على حصد الإجماع الأوروبيّ على خطّة عملٍ تقضي بتوزيعٍ عادلٍ للاجئين على دول الاتحاد. ألمانيا وحدها ستستقبل، بحسب آخر إحصاء نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانيّة، حوالي مليون طلب لجوء حتى نهاية العام. كذلك، عارضت ميركل حالات الشغب ضدّ اللاجئين من قبل يمينيين متطرفين، فزارت المخيّمات واطمأنت بنفسها على أحوالِ الهاربين، هؤلاء تهافتوا لأخذ صورٍ تذكاريّة مع «الحجة ميركل» كما تداول ناشطون اسمها على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، اتهمت ميركل ببطئها في إيجادٍ الحلّ اللازم لهذه الأزمة، وهي تهمةٌ واجهتها في أكثرٍ من مناسبة، وخاصةً أثناء أزمة اليورو عام 2012.
لكن المستشارة لا تقارب الأمور بهذه البساطة، وذلك ربّما ناتج من خلفيتها العلميّة إذ إنّها تحمل دكتوراه في الكيمياء، وبهذا فهي تفضّل «التجربة العمليّة لسيناريوهات مختلفة وليس فقط صياغة النظريات»، كما تقول في إحدى مقابلاتها.
ليس الجانب الإنسانيّ في «عرّابة» أوروبا، كما تطلق عليها غيرترود هوهلر في كتابٍ حول سيرتها الذاتيّة عام 2012، هو الدافع الوحيد الذي جعلها تقبل طلباتِ لجوء السوريين في بلادها، بل مقاربتها الطويلة الأمد لنتائج الخطط التي تطرحها. من جهة، لم تستفز ميركل الرأي العام العالميّ المتعاطف أصلاً مع ضحايا الغرق بسبب الهجرة غير الشرعيّة، ومن جهةٍ ثانية، فإنّ اللاجئين الذين استقبلتهم لن يكونوا عبئاً على ألمانيا كما يظهر للوهلة الأولى. على المدى البعيد، بل سيكوّن هؤلاء قاعدةً ليدٍ عاملة قيّمة تساهم في دورة الاقتصاد في هذا البلد المعتمد على التطوير الصناعي، إضافةِ إلى تغييرهم للطابع الديموغرافيّ لألمانيا التي تسجّل تراجعاً بنسبة الولادات.
لا يزال احتمال فوز ميركل بجائزة نوبل للسلام غامضاً، ولكنّها دون شكّ علمت كيف تستغلّ أزمة اللاجئين لمصلحتها، تماماً مثلما فعلت في بدايةِ حياتها السياسية في تسعينيات القرن الماضي، إذ أطاحت هلموت كول، رئيس حزبها والرجل الذي أدخلها عالم السياسة، بعدما طالبته بالتنحي إثر كشف فضيحةِ رشى كان يتلقاها، وأخذت مكانه.
تدرّجت ميركل في هدوئها المعتاد لتؤدي دوراً بارزاً في السياسة الأوروبية يجعلها من أكثر الأسماء تداولاً في العالم، رغم تأخرها في دخول هذا العالم، إذ لم تنخرط في حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» إلّا بعد انهيار حائط برلين عام 1989، هذا الحائط الذي كان أوّل ذكرى سياسية لأنغيلا في شبابها.
ميركل التي نشأت في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، في أيّام الانقسام بين شرقٍ وغرب، ترى أنّ «ألمانيا الموحّدة لن تدوم إلّا في أوروبا موحدة»، بحسب وثائقي لـ «بي بي سي» في عام 2013 يتحدّث عن سيرة حياتها، وبهذا تسعى جاهدةً في كلّ أزمةٍ تواجه القارة العجوز أن تحصد إجماعاً أوروبياً على الحلول المطروحة، حتّى أطلق عليها لقب «ملكة الإجماع» من بينٍ ألقابٍ أخرى. كأوّل امرأة تحتلّ مركز مستشارٍ في ألمانيا، تماماً مثل مارغريت ثاتشر كأوّل رئيسة للوزراء في بريطانيا، تمكّنت ميركل، وهو اسم زوجها الأوّل الذي اختارت إبقاءه بعد انفصالهما، من أن تتحوّل إلى «قائدة الأمر الواقع» في الاتحاد الأوروبي، وجودها أساسيّ في استنباط الحلول للحفاظ على الاستقرار، فكانت راعيةً للمفاوضات مع روسيا في اتفاقيات مينسك حول أوكرانيا.
«المساهمة في زيادة الإخاء والتقارب بين الأمم، تقليص أو إلغاء وجود الجيوش والمساهمة في عقد مؤتمراتٍ حول السلام»، هي المعايير التي تزيد من فرص فوز شخصٍ ما بجائزة نوبل للسلام بحسب موقع المؤسسة النروجية على الانترنت. إذا صدّقنا معايير المؤسسة، فهل هذا يكفي للفوز بجائزة نوبل؟ (الأخبار)