في هذه الأيام لا بد أن نتذكر تلك الأيام السود من عام 67 العدوان الصهيوني الذي أنتج هزيمة كانت هزة عنيفة للنفس العربية. على الطبيعة احتل الصهاينة في تلك الأيام القليلة الضفة الغربية ـ ومعها القدس طبعا ـ والهضبة السورية (الجولان) وكامل سيناء التي تفوق مساحتها مساحة الكيان الصهيوني بثلاثة أضعاف. ولكن العدو الصهيوني لم يحقق كامل أهدافه جراء العدوان، ومن هذه الأهداف إنهاء المقاومة الفلسطينية المسلحة التي كانت قد انطلقت في الأول من يناير من عام 65 .. كما أن هدف إنهاء الروح القتالية لدى الأمة العربية لم يتحقق بدليل أن الملايين المصرية والعربية انطلقت في تظاهرات رافضة للهزيمة ولاستقالة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يومي التاسع والعاشر من الشهر ذاته.
كما أن العدو الصهيوني أثبت أنه عدواني توسعي عنصري. لقد انتصر في معركة ولكن الحرب ظلت مستعرة ومستمرة حتى يومنا هذا. استرد العسكريون العرب شرفهم في حرب أكتوبر 73 على الجبهتين المصرية والسورية. وأثبتت المقاومة قدراتها في فلسطين ولبنان. في فلسطين أرغمت المقاومة العدو على الانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد ومن دون شروط. وفي لبنان انسحب العدو الصهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000 وتلقى هزيمة منكرة على يد المقاومة في عام 2006.
لكن العدو حقق الكثير، ومن ذلك اتفاقية وادي عربة، واتفاقية كامب ديفيد واتفاقية أوسلو. وأخرج مصر من سوح المواجهة معه. كما أنه حقق مكاسب جمة جراء الانقسام الفلسطيني الذي وقع قبل ست سنوات، وأصبح الواقع يقول بوجود حكومتين فلسطينيتين إحداهما في الضفة الغربية ومقرها رام الله والثانية في القطاع ومقرها غزة. كما أن يونيو الراهن جاء بما يعزز الانقسام ويكرسه، وذلك بتكليف الرئيس الفلسطيني الأكاديمي رامي حمد الله برئاسة الوزارة الجديدة، بما يخالف الاتفاقيات التي تم إبرامها مع حركة حماس ومع القوى الفلسطينية كلها في القاهرة.
إن تعزيز الانقسام الفلسطيني على هذا النحو ينحي جانبا أملا جماهيريا ضروريا هو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ورقة القوة الكبري التي كان الشعب الفلسطيني يمتلكها إلى أن حدث ما حدث قبل ست سنوات بين حركتي حماس وفتح.
أكثر من محزن ومؤسف ما يجري في الساحة العربية عموما من نكوص عن أهداف الأمة في التحرير والوحدة، بل إن جامعة الدول العربية أيضا كرست الانقسام وحالة الضعف عربيا. ولم تعد فلسطين هي القضية المركزية للأنظمة العربية في الجامعة. حقق العدو كثيرا خلال الأعوام العشرة الماضية، ومن ذلك ما جرى للعراق من إخراج الجيش العراقي من المواجهة مع العدو جراء الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ذلك ما يجري في سوريا منذ عام ونيف ـ أشغال الجيش السوري وإرهاقه لكي يتمكن منا العدو الصهيوني.
نتذكر تلك الايام من عام 67 ولكننا نتذكر معها رفض الأمة للهزيمة. وننظر إلى واقع الأمة اليوم فيزداد فينا القهر وتتعمق الحسرة على ما آلت إليه الأمور. كلنا نتطلع إلى نهوض جماهيري عربي يرفض الهزيمة ونتائجها ويكرس قضية فلسطين قضية مركزية للامة كما هي وكما كانت دائما.
نواف أبو الهيجاء كاتب فلسطيني
Nawaf.m.abulhaija@gmail.com