فوجئ المصريون بقيام أثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق إيذانا ببناء سد “الألفية” أو سد النهضة كما يطلق عليه لتوليد الكهرباء، وهو ما أصاب المصريين بحالة من الخوف والقلق خوفا من الآثار السلبية لهذا السد على حصة مصر من مياه نهر النيل في الوقت الذي تعاني فيه بعض المحافظات المصرية من شح في المياه .. خاصة وأن الخطوة الأثيوبية بتحويل مجرى النيل الأزرق استبقت التقرير النهائي للجنة الثلاثية المعنية بتقييم آثار سد النهضة، وهي اللجنة التي شكلتها الدول الثلاث “مصر والسودان وأثيوبيا” بمشاركة خبراء دوليين ليكون تقريرها هو القول الفصل في النهاية، فإذا تبين للجنة تضرر دولتي المصب “مصر والسودان” فعلى أثيوبيا إعادة النظر في هذا المشروع!!
ما أصاب المصريين بالدهشة أيضا هو قيام أثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق دون أن تخطر مصر مسبقا بهذه الخطوة، فضلا عن أنها جاءت بعد مرور 24 ساعة فقط على زيارة الرئيس المصري محمد مرسي للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وهو ما اعتبرته القاهرة صورة من صور التحدي الأثيوبي، ونوعا من أنواع فرض الأمر الواقع على الإرادة المصرية.. وهو ما انعكس بدوره على رد الفعل المصري لدرجة أنه قد خرجت أصوات تطالب بشن حرب على أثيوبيا، فيما انتقدت أصوات أخرى رد فعل النظام الحاكم تجاه السد الأثيوبي واعتبرت موقف الحكومة “مائعا”!!
المفاجأة كانت في التقرير النهائي للجنة الثلاثية لتقييم آثار سد النهضة والذي تم تسريبه بعد يومين من قيام أثيوبيا بتحويل مجري النيل الأزرق، حيث أكد التقرير تضرر مصر من بناء هذا السد، وأوصى بإجراء دراسات علمية أخرى لتقييم معدلات الأمان، متهما الجانب الأثيوبي بحجب الكثير من المعلومات عن أعضاء اللجنة والخبراء الدوليين .. حيث تشير التقارير إلى أن درجة أمان السد الأثيوبي لا تزيد على درجة ونصف الدرجة، بينما درجة الأمان في السد العالي بأسوان تصل مثلا إلى ثماني درجات .. وبالتالي فإنه في حالة انهيار السد الأثيوبي سيؤدي ذلك إلى غرق كل المدن المطلة على نهر النيل من السودان إلى أسوان، ما يعني أن بناء هذا السد سيشكل خطرا جسيما على مصر ليس فقط في تخفيض كمية المياه الواردة إلى مصر، وإنما لما يشكله هذا السد أيضا من خطورة في حالة انهياره وما سوف يتبعه ذلك من أضرار بشرية، فضلا عن فقدان مصر لأكثر من نصف آثارها الموجودة في الأقصر وأسوان حال تعرضها للغرق!!
اللجنة الثلاثية التي أعدت هذا التقرير تم تشكليها بطلب من رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ميليس زيناوي العام الماضي لتقييم آثار هذا السد بعد اعتراض مصر على قيام أثيوبيا بوضع حجر الأساس للسد في مارس 2011، وتتشكل اللجنة من 10 خبراء أربعة منهم دوليون وخبيران من كل من مصر والسودان وأثيوبيا .. فكيف سيكون رد الفعل الأثيوبي علي تقرير هذه اللجنة .. هل ستعيد النظر في بناء هذا السد الذي انتهت من نسبة 18% من إنشاءات بنائه .. أم ستواصل عملية الإنشاءات ضاربة بتقرير اللجنة الثلاثية عرض الحائط .. بل وكيف سيكون الموقف المصري في حال لو أصرت أثيوبيا على استكمال بناء هذا السد؟!!
أول ردود الفعل المصرية هي توصيات أعدتها وزارة الري والموارد المائية بعد تسلمها التقرير النهائي للجنة الثلاثية .. تستند هذه التوصيات إلى بندين: الأول إخطار الجانب الأثيوبي بالتوقف الفوري لإنشاءات هذا السد لحين الانتهاء من الدراسات الفنية لمعدلات الأمان التي لا بد أن يقدم الجانب الأثيوبي معلومات حولها .. أما البند الثاني فهو تقديم طلب عن طريق وزارتي الري والخارجية بتوقيع بروتوكول تعاون مع أثيوبيا بهدف المشاركة في إدارة وتشغيل هذا السد بعد الانتهاء من عملية الإنشاء، بحيث يتم التحكم في المياه المتدفقة وبما لا يسمح بالإخلال بحصة مصر المائية التي تأتي من بحيرة الحبشة .. فيما يرى وزراء الري والموارد المائية السابقون وخبراء مياه أن المطلوب هو التمسك بوقف بناء هذا السد أولا ثم الجلوس والتفاوض مع الجانب الأثيوبي والاتفاق على تصميم وتشغيل هذا السد بما يحقق المنفعة لأثيوبيا وفي نفس الوقت لا يضر بحصة مصر من المياه ولا يهدها في نفس الوقت بالغرق!!
في المقابل خرجت أصوات مصرية تندد بما فعلته أثيوبيا وتعلن الجهاد مثلما فعلت الجماعة الإسلامية التي هددت بفتح باب الجهاد ضد أثيوبيا، متهمة إسرائيل بالتآمر على مصر، وهو اتهام اتفقت عليه أغلب القوى السياسية الفاعلة.. وأعلنت الجماعة الإسلامية أن دورها سيكون بارزا في حالة إعلان الحرب على أثيوبيا لما يهدده هذا السد من خطر على الأمن القومي المصري ويمثل إعلان حرب على المصريين .. وطالبت الجماعة بالتدخل العسكري ضد أثيوبيا لوقف بناء سد النهضة في حالة فشل مساعي إنهاء الأزمة بالحوار .. وقال خالد الشريف المستشار الإعلامي لحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية في بيان صحفي إن الجيش المصري قوي وقادر على حسم المعركة من أجل حماية ثرواتنا المائية، خاصة وأن كل الخبراء يؤكدون تأثير بناء هذا السد على حياة ومستقبل المصريين، وبالتالي فلا بد من التحرك السريع!!
المصريون يرون أن هناك بعدا آخر للأزمة، هو ضعف الدور المصري في القارة الإفريقية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث لم تكن دولة إفريقية تجرؤ على معاداة مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ لأنه لم يسمح لدول الغرب بأن تسيطر على دول حوض النيل، فضلا عن قيام مصر بتنفيذ مشروعات تنموية في العديد من الدول الإفريقية، حيث يذكر التاريخ لمصر إسهامات عظيمة فيما يتعلق ببناء السدود في عدد من الدول الإفريقية كان آخرها سد “أوين” في أوغندا وغيره من السدود التي بلغ عددها 6 سدود في دول حوض النيل .. أما الآن ففقدت مصر دورها الإفريقي، وسينعكس ذلك عليها بضرر كبير في الوقت الذي تنشط فيه إسرائيل داخل إفريقيا منذ سنوات لدرجة أن الشركة المكلفة بتشغيل السد الأثيوبي شركة إسرائيلية .. فهل ستجد مصر نفسها مضطرة لخوض حرب مع أثيوبيا من أجل المياه .. أم أن الأصوات العاقلة في أديس أبابا ستتدارك الموقف؟! دعونا نرَ .. فالأزمة لم تبدأ بعد!!
سامي حامد كاتب وصحفي مصري
Samyhamed56@yahoo.com