عروبة الاخباري- تشهد المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق، فضلاً عن بغداد، ولليوم الثالث على التوالي، حملة اغتيالات منظّمة تستهدف قادة وناشطين في الحراك الشعبي ضد الفساد في البلاد، إذ ارتفع عدد القتلى إلى 9 خلال الساعات الـ72 الماضية في محافظات البصرة وبابل والناصرية وبغداد والكوت.
وكشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد عن أن عدد قادة التظاهرات ومنظميها، الذين تم اغتيالهم، بلغ 9، وهم كل من خالد العكيلي وحسين الحلفي وماجد سعد في بغداد، وهم من الناشطين في الحراك الشعبي، فيما قُتل ناشط آخر في بابل يدعى حيدر العلواني. وفي البصرة قتل مسلحون الناشط الميداني الأبرز في التظاهرات، صبيح الكرمشي، وهيثم الركابي ووليد الطائي في كل من الكوت والناصرية، فضلاً عن اثنين من الناشطين أحدهم أصيبت زوجته في هجوم على منزلهما في منطقة الزعفرانية جنوب شرق بغداد.
الحكومة العراقية، من جهتها، حاولت من خلال بيانات لوزارة الداخلية، عدم إعطاء الأمر بُعداً سياسياً أو مليشياوياً، إذ نسبت ثلاثاً من عمليات التصفية تلك إلى الإرهاب، وواحدة لخلافات عشائرية، بينما التزمت الصمت عن جرائم الاغتيال الأخرى.
أما بعثة الأمم المتحدة في العراق، “يونامي”، فقالت في بيان لها إن “تقارير ميدانية أفادت بوجود كيانات مجهولة، تعتدي على المتظاهرين والصحافيين، وتضايقهم، وتهددهم بالموت، وتعمل على ترويعهم”. وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيش، في البيان، إنه “في ظل ورود تقارير تفيد باعتداء كيانات مجهولة على المتظاهرين والصحافيين وترويعهم وتهديدهم بالموت، يجب على القوى السياسية والمتظاهرين معاً رفض تلك الاعتداءات”.
وأضاف كوبيش أن “على قوات الأمن العراقية أن تتصدى لتلك الكيانات المجهولة وفق القانون، كما ينبغي على السلطات العراقية مقاضاة من يحاولون حرف التظاهرات السلمية عن مسارها أو منع الصحافيين من تأدية عملهم”. ولفت إلى أن “القوات الأمنية العراقية عملت بمهنية وتحمّلت مسؤولية سلمية التظاهرات، وعدم حرف مسارها السلمي في محافظات وسط وجنوب العراق وسلامة الصحافيين والمتظاهرين منعاً لوقوع أعمال عنف قد ترغب فيها بعض القوى لإثارة الفوضى”.
وأكد المسؤول العراقي أن عمليات الاغتيال لا ترتبط بالأعمال الإرهابية في العراق، بل هي من تنفيذ مليشيات مسلّحة تتبع مسؤولين ومتطرفين يجدون في التظاهر خطراً يهدد سلطة الأحكام الدينية في البلاد، موضحاً أن رسائل تهديد وصلت لعشرات الناشطين الآخرين عبر هواتفهم أو بريدهم الإلكتروني، أو عبر رميها تحت أبواب منازلهم، فيما الشرطة عاجزة عن فعل شيء حالياً.
من جهته، استنكر الناشط المدني، سعيد الفضلي، عمليات الاستهداف المنظّمة لرموز ساحات التظاهر في عدد من المدن العراقية، معتبراً في حديث أن هذا الاسلوب أصبح مكشوفاً للجميع ولن يخيف العراقيين الذين قرروا مواصلة مسيرتهم في الإصلاح بصفتهم المصدر الوحيد للسلطات.
واشار الفضلي إلى تلقي عدد من الناشطين وقادة التظاهرات تهديدات مباشرة من قبل مليشيات مسلّحة معروفة، تطالبهم بالكف عن التظاهر والتراجع عن منح رئيس الوزراء، حيدر العبادي، تفويضاً شعبياً، موضحاً أن هذه المليشيات هددت بتصفيتهم في حال خالفوا أوامرها.
أما عضو ملتقى “أحرار العراق”، إيفان شاكر، فانتقدت صمت المرجعيات الدينية والتيارات السياسية عن عمليات التصفية الجسدية بحق عدد من الناشطين المدنيين ومنظمي التظاهرات، موضحة أن اليومين الماضيين شهدا تطوراً مخيفاً في الحراك، كاشفة عن “اتخاذ قرار في اجتماع لقادة التظاهرات والناشطين بمواصلة الحراك وعدم إيقافه، وهذا القرار سيُعلن اليوم الثلاثاء بشكل رسمي”. ولفتت إلى أن “السلطات الأمنية في بغداد تحاول التكتم على موضوع الاغتيالات، وتنسبها لعمليات إرهابية، لكن هذا غير صحيح البتة”.
من جهته انتقد عضو البرلمان العراقي عن محافظة البصرة، سليم شوقي، اغتيال الناشطين، معتبراً ذلك دليلاً على فشل في الأجهزة الأمنية. ودعا شوقي الحكومة الاتحادية إلى كشف الخفايا التي تقف وراء اغتيال الناشطين، مؤكداً أن الجرائم تلك شيء معيب ومشين للحكومة والعملية السياسية.
أما المتظاهرون العراقيون الذين جددوا احتجاجاتهم أمس، الإثنين، على فساد القضاء، فأكدوا أن عمليات القتل والتهديد لن تثنيهم عن هدف إصلاح الدولة العراقية وإنهاء جميع مظاهر الفساد فيها. وتظاهر عشرات العراقيين أمس أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في حي الحارثية، وسط بغداد، للمطالبة باستقالة رئيس المجلس، مدحت المحمود، وإجراء إصلاحات حقيقية في السلطة القضائية.
وقال أحد المتظاهرين، ويدعى عماد قاسم، لـ”العربي الجديد”، إن “تظاهرة اليوم (أمس) مختلفة عن سابقاتها لأنها جاءت لتطالب رأس السلطة القضائية في العراق بإعلان موقفه التاريخي من الثورة الشعبية العارمة التي عمّت أرجاء البلاد”، لافتاً إلى أن الشعارات التي رُفعت في تظاهرة الإثنين، “طالبت السلطة القضائية بالتدخل الفوري لوقف جرائم القتل والتهديد التي تطاول المتظاهرين ورموزهم، فضلاً عن دعوة رئيس السلطة القضائية، مدحت المحمود، للاستقالة بعد فشله في إدارة الجهاز القضائي طيلة السنوات الماضية”.
من جهته، دعا القيادي في الحراك الشعبي العراقي، فارس الشمري، القضاء العراقي للتحرك سريعاً باتجاه المليشيات المسلحة التي تجوب الشوارع العراقية من دون محاسبة أو ملاحقة من الأجهزة الأمنية التي تعتبر المليشيات السلطة الأعلى في الدولة، لافتاً إلى أن “الفصائل المسلحة التي تعمل خارج نطاق القانون مموّلة وتتلقى تسليحاً من إيران، وهي المتهم الأول بعمليات الاغتيال والتهديد ومحاولات التخريب ونشر الفوضى في التظاهرات والاعتصامات”.
ودعا الشمري البرلمان العراقي إلى تفعيل قانون الأحزاب وعدم تركه حبراً على ورق، مشيراً إلى أن أكثر الأحزاب المشاركة في السلطة تمتلك أجنحة مسلحة أنشأتها خلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، تحت غطاء العمل ضمن هيئة “الحشد الشعبي” لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).