لم تكن كايلا مولر مجندة في المارينز الأميركي، أو عميلة استخبارات؛ فتاة عادية مليئة بالطيبة، هالها ما شاهدته من فظائع في سورية، فتوجهت إلى هناك بمساعدة من صديقها عمر الخاني، لمد يد العون للمدنيين الذين يعانون ويلات الحرب. وأثناء خروجها من مستشفى لمجموعة “أطباء إسبان بلا حدود”، تعرضت للاختطاف هي وزميلها عمر على يد مجموعة مسلحة في شهر آب (أغسطس) 2013، وانتهى بها المطاف في قبضة الدواعش.
لم يقطع رأس مولر كما حصل مع رهائن آخرين من قبل. لكنها واجهت، وبشجاعة، ما هو أسوأ من ذلك بكثير طوال سنة ونصف السنة في معتقل العبودية التابع لتنظيم “داعش”.
مولر التي جمعها القدر مع ثلاث فتيات “طفلات” أيزيديات، تعرضت للاغتصاب مرات عديدة، وعلى يد من يزعم أنه خليفة المسلمين؛ أبو بكر البغدادي.
كان لجريمة البغدادي، بما فيها من خسة ونذالة، أن تبقى طي الكتمان. لكن مولر التي عاندها الحظ، عاد وأنصفها بعد موتها، فوجدت من يروي قصتها وشجاعتها.
طفلة أيزيدية وشقيقتها تمكنتا من الهرب من المعتقل الرهيب، وروت إحداهما القصة كاملة. وجاءت شهادة زوجة أبو سياف القيادي في التنظيم، والتي قبض عليها الجيش الأميركي بعد قتل زوجها في غارة جوية، لتدعم رواية الطفلة الأيزيدية.
كان البغدادي يأتي إلى مركز الاعتقال، يأخذ مولر إلى غرفة جانبية ويعتدي عليها، فتعود باكية مجروحة. إرهابيو “داعش” كانوا بدورهم يغتصبون الطفلات الأيزيديات، فلايجدن غير صدر مولر التي تكبرهن بالسن ليبكين عليه.
في تعليقها على القصة، تبدي والدة مولر مشاعر الفخر بابنتها: “كايلا لم تتزوج هذا الرجل -تقصد البغدادي- لقد أخذها إلى غرفته واعتدى عليها وعادت وهي تبكي”.
وعندما سنحت الفرصة للهروب، رفضت مولر طلب الأيزيديات الانضمام إليهن، خوفا من أن يتسبب مظهرها الأجنبي الواضح في تعريضهما للخطر، على ما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن الفتاة الأيزيدية.
صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” التي روت القصة، وترجمها لـ”الغد” الزميل المبدع علاء الدين أبو زينة في عدد يوم أمس، كشفت مضمون رسالة كانت قد أعطتها مولر لأسرى فرنسيين أطلق سراحهم العام 2014، قالت فيها إنها شكلت رابطة من الحب والدعم مع الرهينات الأخريات. وأضافت: “إنني لن أنكسر ولن أستسلم، مهما كان الوقت الذي يتطلبه الأمر”.
ظلت ظروف وفاة مولر مجهولة. وقد زعم الإرهابيون أنها لقيت حتفها في غارة لسلاح الجو الملكي الأردني. لكن وعلى فرض صحة هذه المزاعم، فإن مسؤولية موتها تقع على عاتق التنظيم الإرهابي.
والمؤكد أن المغتصب البغدادي ما كان ليجرؤ على الإفراج عن مولر حية، حتى لو قبلت الولايات المتحدة بدفع الفدية، كي لا تكشف بنفسها جريمته النكراء بحقها. لكن دم الضحية لا يموت؛ فقد وجدت مولر من ينطق باسمها ويروي حكايتها، ويكشف حقيقة البغدادي وخسته.
الآلاف من النساء تعرضن لما تعرضت له مولر والطفلات الأيزيديات، في ظل نظام العبودية الذي أحياه التنظيم المتوحش، وما يزال عاملا وفعالا حتى يومنا هذا، حيث تباع وتشترى النساء في أسواق العبودية والزواج بالإكراه.
يحار المرء في وصف مشاعره وهو يقرأ قصة مولر وسواها من النساء الضحايا. صدورنا تشتعل بالغضب والعار ونحن نقف عاجزين عن وضع نهاية لجرائم تتكرر كل يوم هناك في سورية والعراق.
فهد الخيطان/قصة مولر.. يا للعار!
21
المقالة السابقة