منذ التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 + 1) في مطلع شهر يوليو الماضي، وقبل أن تقره المؤسسات الدستورية في الدول الأطراف في الاتفاق، اندفع بعض رجال الحوار الإيراني مع الغرب، نحو المطالبة بحوار خليجي إيراني، يقود ذلك الاتجاه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رئيس فريق التفاوض مع الـ(5 + 1) والذي حقق نجاحا في ذلك الشأن لا جدال فيه.
(2)
كتب الوزير ظريف مقالة خص بها جريدة الشرق القطرية في 3/8 الحالي، استهل مقالته بالتذكير بالحكمة العربية “الجار قبل الدار” ودعا إلى “تشكيل مجمع للحوار الإقليمي، ومن ثم بين جميع الدول الإسلامية بالشرق الأوسط”، وكما كتب “لابد أن يكون الحوار الإقليمي وفق أهداف مشتركة ومبادئ عامة، أهمها احترام سيادة ووحدة تراب جميع الدول واستقلالها السياسي، وعدم انتهاك حدودها، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية الخلافات سلميا، منع التهديد أو استخدام القوة، والسعي لإحلال السلام والاستقرار”.
لمناقشة ما جاء في مقالة وزير الخارجية الإيراني، نؤكد حقيقة تاريخية وجغرافية، أن إيران لم تختر أن يكون العرب جيرانها، ولا العرب عملوا على أن تكون إيران جارتهم، ذلك حكم الجغرافيا والتاريخ. والحكمة القائلة، الجار قبل الدار، لا تنطبق في هذه الحالة. العرب والفرس أمتان مكتملتا التكوين في المكان، واختيار الجار قبل الدار للوافد، وكلانا لسنا وافدين غرباء، حَكمت الجغرافيا أن نكون جيرانا، وعلينا أن نتعايش مع بعضنا بحسن نية ومقاصد خير. ولا أحد منا ينكر أن لفارس حضارة عريقة وإقامة إمبراطورية كبيرة. لكن، لا أحد ينكر على أن للعرب حضارة يعتد بها، وأضافت إلى الحضارة الإنسانية الكثير، وليس هنا مجال استعراض مساهمة العرب في بناء الحضارة الإنسانية.
(3)
تطبيقا لتلك الأطروحة، خالفت إيران مسبقا أول شروط المشروع الذي قال به الوزير ظريف، في استمرارها احتلال ثلاث جزر تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1971، ولم تقبل التفاوض لإيجاد حل بمقتضاه تعود الجزر إلى سيادة دولة الإمارات، أو القبول بالتحكيم الدولي.
وإذا أخذنا مملكة البحرين مثالا آخر، نجد أن البرلمان الإيراني يعتبر مملكة البحرين جزءا لا يتجزأ من إيران، وتأكيدا على ذلك يقول شريعتمداري مستشار مرشد الثورة الإيرانية:”إن البحرين هي جزء من إيران استقطعت بالقوة من الجسد الإيراني، ولابد من عودتها للجسد”. وتتعرض البحرين الشقيقة اليوم لتدخل إيراني في شؤونها الداخلية، تارة بتشجيع النزعة الطائفية في البلاد، وتارة بتدريب عناصر وتمويلهم وتسليحهم للإخلال بأمن البلاد والعباد، كما تقول بذلك جهات رسمية في البحرين.
لقد اختار الوزير محمد ظريف اليمن نموذجا لحل الخلافات، فخطته لإنهاء الأزمة اليمنية تتكون من أربع نقاط: وقف إطلاق النار فورا، إرسال مساعدات إنسانية إلى المدنيين اليمنيين، عودة الحوار بين الأطراف اليمنية، ومن ثم توجيه اليمنيين إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة. كلام نظري لا غبار عليه، لكنه تناسى أن البادئ باستخدام السلاح واختطاف اليمن كله هم الحوثيون، وبدعم وتوجيه وتخطيط إيراني. يقول قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري: “الحوثيون هم أبناء الثورة الإيرانية ولن يهزمهم أحد”، ويقول مسؤول إيراني آخر: آخر نتاج الثورة الإيرانية هم الحوثيون في اليمن. أليس هذا تدخلا سافرا في الشأن الداخلي اليمني؟
أما المملكة العربية السعودية فإنها تتعرض لهجوم إعلامي وديني وسياسي وحرب الكترونية من إيران، وأتباع إيران في العراق. يقول نوري المالكي نائب الرئيس العراقي العميل الأول لإيران في العراق: “يجب وضع السعودية تحت الوصاية الدولية ” وأفتى آية الله عبدالله جوادي آملي، بإعلان الجهاد الأكبر ضد السعودية. ودعا خطيب جمعة طهران آية الله محمد علي موحدي كرماني، في خطبته الرسمية، إلى تحرير مكة والمدينة من الحكم السعودي، وأعلن قائد قوات البسيج العميد محمد رضا نقدي، أن إيران لن تتوانى في توجيه سلاحها، بما فيه الالكتروني ضد القوى التي تستهدف اليمنيين، في إشارة غير مباشرة إلى السعودية.
النتيجة: إذا أرادت إيران أن تطبع علاقتها بجوارها العربي فلابد من الإقدام على خطوات عملية منها القبول بالتحكيم الدولي بينها وبين دولة الإمارات في شأن الجزر الإماراتية المحتلة. سحب جميع مليشياتها من العراق والكف عن تمويل وتدريب المليشيات الطائفية. ورفع يدها عن حماية الأحزاب الطائفية في العراق. رفع يدها عن اليمن وما يجري على صعيده. الامتناع التام عن التدخل في الشأن البحريني بأي صورة كانت. الانسحاب من سورية وترك الشعب السوري يحدد مصيره. الامتناع عن التحريض والتشويه للنظام السياسي في المملكة العربية السعودية.
نريد، نحن العرب، علاقات جوار مع إيران وغيره من الدول المجاورة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.ش