التمكين الديموقراطي ماذا يعني؟
هذا مصطلح جديد لجهتين..الأول استعمال كلمة «تمكين» وهي كلمة مشتقة لم أجدها في لسان العرب لابن منظور وانما وجدت اشتقاقها على نحو «وتمكن من الشيء واستمكن أي ظفر» ويقال «أمكنني الأمر، يمكنني فهو ممكن» ولكن الكلمة استعملت الآن كمصطلح يتوافق عليه مستعملوه وسامعوه في أن التمكين هنا بمعنى الاسناد والتثبت والدعم، وقد استعمل أصلاً مرتبطاً بالمرأة في مصطلح تمكين المرأة وها هو يذهب في استعمال الملك للمصطلح في ورقته النقاشية ليكون التمكين للديموقراطية أي اسنادها وتثبيتها ودعم برنامجها وتأكيده..
لقد ظلت الديموقراطية كمنسوب واستعمال في بلادنا تفتقد إلى التعميق والتأصيل والاسناد الحقيقي الذي لا يكون إلا من خلال المؤسسات والمنابر والأحزاب واسهام المجتمع المدني وحين يتحدث الملك عن برنامج «التمكين الديموقراطي» فإن في ذهنه كل تلك الوسائل والأدوات التي يستطيع من خلالها كقائد ومفكر وصاحب رؤية أن يطرح رؤية للديموقراطية التي تلزمنا كخيار لا مهرب منه ولا تأجيل له..
فبرنامج «التمكين الديموقراطي» الذي يطلقه الملك في الورقة النقاشية الرابعة والتي تربط مع الأوراق الثلاثة السابقة يستكمل رؤية تقوم من مكونات عدة لتبلغ بالتمكين ما أراده وهو بناء المواطنة التي لا يمكن أن تبنى إلا بأحداث مناخ ديموقراطي في مكوناته المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ونبذ وابعاد كل ما يمنع هذه المكونات..
التمكين وسيلة وهو ديموقراطي لجهة صفة والثمرة هي المواطنة التي تشكل اللبنة الأساسية والمفردة الأولى في البناء الوطني وبدون المواطنة الفاعلة لن يحدث التحول الديموقراطي وحتى يحدث التحول الديموقراطي وتتولد صيغة المواطنة وقيمها وحقوقها وواجباتها لا بد من البدء في انفاذ برنامج التمكين الديموقراطي الذي تحدث عنه الملك..
للأسف لم تتمكن الممارسات العربية والثقافة الموجهة لهذه الممارسات في طول الوطن العربي وعرضه حتى الآن بما في ذلك بلدنا من البناء على أساس المواطنة إذ ظلت المواطنة مفهوماً عائماً أو ملتبساً أو يجري التجاوز عنه وعليه لأشكال أخرى من المكونات التي أفرزت الدولة الريعية أو التي تفتقر إلى المؤسسات أو التي تعتريها الهشاشة أو تضعف أمام الابتزاز أو الجهوية أو يغيب عنها الانتماء الحقيقي ليستبدل بأشكال من الولاء المتحرك المفتقد للبصيرة..
الملك يدعو علناً لبناء مجتمع المواطنة وهذه كلمة وإن كانت سهلة في النطق إلا أن زرعها وتعهدها والبناء على أساسها عملية ليست سهلة ولا تظهر بين عشية وضحايا وهي تحتاج إلى إعادة انتاج مجتمعنا على أسس جديدة فيها تضحيات ومكابدة للخلاص من عادات وتقاليد وامتيازات ومكاسب للبعض..
المواطنة إذا ما جرى اعتمادها في بناء الدولة وترسيخها وحمايتها كمفهوم وممارسة وحقوق وواجبات من خلال برنامج التمكين الديموقراطي الذي تقدمه الرؤية الملكية في الورقة الرابعة فإنه سيمكن جميع الأردنيين على اختلاف معتقداتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية رجالاً ونساءاً وعلى مختلف أعمارهم من الانخراط كأفراد ومؤسات لتقديم ابداعاتهم ومساهماتهم وجهودهم في المسيرة الوطنية والارتقاء بها وسيكون لكل فرد كبيراً أو صغيراً مساهماته ودوره وسينعكس عليه أثر التنمية ومردودها بشكل عادل بعيد عن التمييز
المواطنة تصنع مجتمعاً جديداً قوياً وفاعلاً ومنتجاً وهي التي تصنع مناخ المسائلة والشفافية وتتيح لكل الأردنيين مناقشة قضاياهم على قدم المساواة دون خوف أو تردد أو وجل أو رهن فئات منهم لصالح فئات أو مصادرة رأي أو موقف لصالح سيادة رأي أو موقف آخر..
يرى الملك في رؤيته ما ينقصنا ويعترف قائلاً أنه لا بد من الاقرار بأننا كمجتمع بحاجة إلى آليات أفضل لترجمة الأفكار الريادية على أرض الواقع..إذن كانت الأفكار تضيع وتتبدد لغياب المؤسسات التي تؤطر وتجذب وتحمي ولذا جاء برنامج التمكين الديموقراطي الملكي إن جاز لي الوصف باعتباره رؤية ملكية ليكون في صلبه توفير البرامج المساعدة لمن يحملون أفكاراً جديدة تخدم الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي السلمي الفاعل..وتبقى لهذه الرؤية الملكية قيمتها انها تصدر من الملك ويتزاوج فيها الفكر مع القرار الذي نرجو أن يدخلها إلى اطار التنفيذ والممارسة..فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب /في الرؤية الملكية..
18
المقالة السابقة