حرية الفكر مكفولة للجميع، ومن حق أي إنسان أن يؤمن بالأفكار والمبادئ التي يريدها، ومن حقه أن يتشبث بتلك الأفكار، ولا يُغيّرها، إلا متى شاء، لكن ليس من حقه أبداً أن يجبر أحداً على اعتناق أفكاره غصباً وكُرهاً، وليس من حقه أن يُعاقب أحداً لأنه مختلف معه في الرأي، ولا يجوز لأي إنسان أن ينتهك سيادة الدولة، ويأخذ دورها في فرض القوانين، أو معاقبة الآخرين، وفقاً لمنظوره ورأيه.
التشدد والتطرف والتعصب نبعت من هنا، حينما يرى الإنسان نفسه صاحب الصواب والحق المطلقين، ومن ثم يعطي لنفسه الحق في تجريم ومعاقبة مخالفيه، وسواء كان هذا التعصب لدين أو مذهب أو حزب أو جنسية أو فكرة، فإن النتيجة واحدة، وهي التطرف والإخلال بالأمن، وانتهاك سيادة القانون والدولة.
خطاب العنف والكراهية الذي فتك بالدول العربية، بدأ من هذه الفكرة أيضاً، بالطائفية المقيتة، وبالتشدد للمذاهب، وبتكفير الآخرين، ومن ثم انتهى بقتلٍ ودمار، وانتهاك للإنسانية في أسوأ وأقبح وأفظع صور الانتهاكات، بدأت في شكل خلافات حوارية بثت الكراهية، ثم انتهت بحروب دموية، وكلها كانت بسبب محاولة كل فريق إجبار الفريق الآخر على اعتناق مذهبه أو مواجهة الموت، بتهمة الكُفر والخروج من الملة!
والإمارات لن تسمح أبداً بتعاظم دور مروجي الفتنة، ولن تسمح بخطاب الكراهية والتمييز، ولا مكان فيها للمحرضين، وأصحاب النفوس المريضة، وتجار الدين، الذين ينشرون الحقد والبغضاء بين الناس باسم الدين، وهم بعيدون عنه، لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية، ولن يقبل أحد هُنا بوجود متشددين متطرفين يُكفرون الناس وفقاً لأمزجتهم، ويُسفهون من لا يتبع ملتهم وفكرهم، من يُكفّر غيره اعتباراً من يوم أمس، فعليه أن يواجه عقوبة السجن، وفقاً لقانون مكافحة التمييز والكراهية، ومن يُكفّر غيره وينتج عن فتوى التكفير هذه عمل إجرامي يؤدي إلى مقتل أحد، فعليه أن يواجه الموت الذي حرّض عليه، وعليه ستقع عقوبة الإعدام وفقاً للقانون الجديد.
الإماراتيون شعب طيب، متسامح، لا يكره الآخر، تعايش مع مختلف الجنسيات والمذاهب والأديان منذ سنوات طويلة، في مختلف الإمارات والمناطق، لم نشهد مشاحنات أو كرهاً وبغضاء بين أبناء الفريج الواحد أو المنطقة الواحدة، بناء على مذهب أو عرقٍ، وعلى العكس من ذلك تعايش الجميع بسلام، يدخلون بيوت بعضهم بعضاً، ويأكلون طعام بعضهم بعضاً، ويتعاونون ويتعاضدون في السرّاء والضرّاء،
لكن هذا لا يعني بقاء الحال على ما هي عليه، وليس سراً أبداً أن نعترف بأن دعوات التطرف وخطاب التشدد والكراهية الذي يحض على الفُرقة والتمييز، ويُلغي الآخر، قد بدأت تتسلل بيننا، وهذا أمر طبيعي مع صغر حجم العالم، وتأثر كل دولة بمحيطها القريب والبعيد، وتأثر البعض بتلك الأفكار، وظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي كشفت سوءات كثيرين، وبدأت تتحول إلى وسائل فُرقة وتشتيت ونشر الكراهية، ما يحتم ضرورة مواكبة هذا التطور وتنظيمه بأطر قانونية رادعة، فجاء القانون الجديد لوضع حدّ لكل هذه التطورات السلبية، ويُعيد الهدوء المنشود إلى المجتمع الإماراتي، بعيداً عن تأثيرات التطرف والتشدد وخطابات التمييز والكراهية
سامي الريامي/لا مكان لخطاب الكراهية في الإمارات
9
المقالة السابقة