فكرة إيجاد وطن قومي لليهود، وعلى أي بقعة أرض، ليست بالجديدة. فكتب اليهود المقدسة تقول إن الله وهبها لبني إسرائيل، فهي هبة أبدية، ولكن نفس النصوص لم تطلب من أحد السعي إلى تأسيس الدولة، لأنها ليست مهمة البشر، بل مهمة المسيح المنتظر!
ولكن في منتصف القرن الـ19 ظهر من سئم من انتظار المسيح ربما، وقرر التمهيد لظهوره، ليقوم بإيجاد الوطن القومي. وتعاقبت الأحداث بعدها سراعاً ما بين الأعوام 1890 و1945، وكانت بدايتها التوجّه المعادي للسامية في روسيا، مروراً بمخيمات الأعمال الشاقة التي أقامها النازيون في أوروبا، وانتهاء بعمليات الحرق الجماعي لليهود وغيرهم على يد النازيين، إبّان الحرب العالمية الثانية، التي ساهمت في تنامي الرغبة بإنشاء كيان يحتضن اليهود في فلسطين.
لن نتطرق هنا إلى الحركات المطالبة بعودة اليهود لفلسطين اعتباراً من القرن الـ15، بل سنركز على العصر الحديث، ففي عام 1882 أنشئت «الحركة الصهيونية» للمطالبة بإرجاع اليهود إلى فلسطين. كما ظهرت في العام نفسه حركة «حب صهيون» والتي تمخضت عنها جمعية مساعدة الصناع والمزارعين اليهود في سوريا وفلسطين ولتشجيع الهجرة إليها.
أما الحركة الصهيونية الحديثة، فقد بدأت على يد تيودور هرتزل، حيث سعى عام 1897 إلى عقد أول مؤتمر صهيوني عالمي في مدينة بازل السويسرية، حدد من خلاله أنه يهدف إلى وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود. وقد حدد المؤتمر ثلاثة أساليب مترابطة لتحقيق ذلك الهدف، وهي: تنمية استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين، وتقوية وتنمية الوعي القومي اليهودي والثقافة اليهودية، ثم أخيراً اتخاذ إجراءات تمهيدية للحصول على الموافقة الدولية على تنفيذ المشروع الصهيوني.
وعقد المؤتمر العلني الثاني بعدها بعام، وتركَّزت أعماله على ضرورة تنمية النزعة الصهيونية لدى اليهود، والتركيز على ظاهرة معاداة اليهود، والزعم بأنها خصيصة لصيقة بكل أشكال المجتمعات التي يوجد فيها اليهود كأقلية. كما تم إيفاد وفد لفلسطين لاستقصاء أحوال مستوطنيها من اليهود، وتبين أنهم يواجهون ظروفاً شديدة الصعوبة تستدعي المساعدة من بقية يهود العالم لضمان استمرار حركة الاستيطان.
وعقد المؤتمر العلني الثالث عام 1899، وعرض فيه تقرير عن نتائج اتصال هرتزل بالقيصر الألماني، وعرض خدمات الحركة. ثم عقد المؤتمر الصهيوني الرابع عام 1900 في لندن، وتم بعدها تأسيس الصندوق القومي اليهودي عام 1901 وتأسيس البنك الأنغلو- فلسطيني عام 1903.
وفي 1903 تم رفض جميع مقترحات تأسيس الدولة في الأرجنتين أو كينيا أو أوغندا، والإصرار على أن تكون فلسطين هي الوطن.
الخلاصة: إن جميع هذه المؤتمرات كانت علنية، وكان العالم أجمع، بما في ذلك دولة الخلافة العثمانية، تسمع بها وتعرف مضامينها، ولكن عندما أعلن عن تأسيس إسرائيل في مايو 1948 أصبنا جميعاً بالدهشة، وتعالت صيحاتنا بأن تأسيسها كان مؤامرة علينا!
أحمد الصراف/المؤامرة الغادرة
22
المقالة السابقة