أحد المفكرين الأميركيين يعتبر الصراع على سوريا أزمة إنسانية وليست أزمة استراتيجية، فهي بالتالي لا تخيفها ومن ثم ليس لها تأثير على أي من مكونات الشرق الأوسط الاستراتيجية. وعندما سئل عن مؤتمر جنيف 2 وهل ستمارس الضغط على المعارضة السورية لحضوره “تمنى” لو أن تلك المعارضة تتوحد فسيكون لها فاعلية كبيرة.
كلام مفاجئ تبثه الولايات المتحدة على لسان واحد من طاقمها، ربما هو علم بالقرار الكبير في البيت الأبيض، أم أن القيادة الأميركية يمكنها التنصل من كلام مفكرها وأحد الذين عملوا في سوريا طويلا وهو يتقن العربية أيضا.
في كل الأحوال يخوض الأميركي حربه على سوريا بكافة القوى ألا يعتقد أنها قادرة على التغيير الفعلي، فهو من يرتب أمور التمويل بدفع قوتين ماليتين كبيرتين عربيتين (…) للقيام بالمهمة، ثم تركيا كموقع مهم جدا لاستقبال المقاتلين وتمريرهم وتسليحهم وتضميد جراحهم عندما ينزفون.. وهي بالمقابل ترتب ما يسمى أصدقاء سوريا كي تظل شعلة الضغط السياسي قائمة، وهي أيضا تتحرك في كافة الاتجاهات التي تجعل من سيطرتها الكاملة قبضة في يدها كي تخوض في وجه الروس والقوى الأخرى ما يجب فعله من اتفاقات. ونكاد نجزم أنها الوحيدة التي تمون على تحريك المعارضة العسكرية بما فيها بطريقة غير مباشرة “جبهة النصرة” وبعض ميثلاتها.
لا يصدقني أحد أن الأميركي لا يمكنه توحيد المعارضة السورية في الخارج التي قررت عدم حضور مؤتمر جنيف بعدما أدى انقسامها إلى عدم اتفاقها على أفكار موحدة، وربما على مجموعة موحدة، ربما لا تسيء الفكرة إلى أميركا، بل تشجعها على أن تكون الحاضرة الفاعلة باسمها الشخصي وتأثيرها وقدراتها، وليذهب المعارضون المنقسمون إلى الجحيم، فهي من يمكنه تفريق الجن ثم جمعه ساعة تشاء.
وما تعرضه الولايات المتحدة يجهله هؤلاء النكرة الذين تعرف أنهم خارج التأثير على الكثير من القوى المعارضة المسلحة التي بات بعضها سيد الميدان وله قراره الشخصي الخاص، بل هو يرتبط بأبعد من قدرات تلك المعارضة التي اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن الكثير من أخطائها ساعد الدولة السورية وقدم لها إمكانات كبيرة.
بل إن الرئيس السوري بات يهزأ من وجودها غير الفاعل حين قال بأن وفده الذاهب إلى جنيف سيعود بعدها إلى سوريا، أما هم فباقون في منافيهم وفي فنادقهم غير مؤثرين ينتظرون قرارات من يحركهم.
صورة كاريكاتورية لتلك المعارضة التي جلس أكثرها في الأشهر الأولى من الأزمة وهو يلمع كرسي الحكم في ذهنه منتظرا رحيله إلى دمشق بين ليلة وأخرى لاستلامه، وقيل إن هذه الأكثرية رتبت شنطها تحت ظنونها أن موعد الرحيل قد اقترب.
اليوم بات لها أن تستسلم، فليس أمامها من منافيها سوى منافٍ جديدة، فالحاضنة ـ كما سماها الرئيس الأسد ـ تغير موقفها، والأميركي في الطليعة منها بات يبحث عن مخارج مع الروسي وليس معها .. هو يتفق مع القوى لتدبير شؤون المخرج، لكنه يأمر أمرا قوى المعارضة في الخارج بالالتزام وإلا فشح في المال والسلاح وحتى أماكن النوم.
مسكين رئيس الائتلاف جورج صبره وهو يتحدث عن عدم حضوره المؤتمر، وهو يعلم في قرارة نفسه، أنه عبد مأمور عليه ضبط كلامه في حضرة من يموله ومن يتحكم بقراره.
لقد شاءت الولايات المتحدة هكذا قرار، وما عليه سوى الانصياع من يبيع نفسه بأثمانٍ بخسة يكون الفاعل فيه من دفع الأموال، فكيف إذا كانت المعارضة السورية في الخارج أضعف من أن يشتريها أحد!