يعتقد البعض أن قانون الأحزاب له أولوية على قانون الانتخاب، لتطوير الحياة السياسية في البلاد. أما وقد صدر مشروع قانون الأحزاب الجديد، فمن الصعب إيجاد تفسير مقنع لهذا الموقف.
فقانون الأحزاب الجديد، كما القديم، قانون إجرائي في معظمه؛ يتناول إجراءات تسجيل الحزب، وتقديم موازنته، وعدد أعضائه، وغيرها من الأمور التي ليس لها انعكاس مباشر على تشجيع أو إعاقة تقدم الحياة الحزبية في البلاد. حتى عدد أعضاء الحزب موضوع ثانوي في نهاية المطاف؛ سواء كان العدد المطلوب للتسجيل 500 عضو، أو كما عُدّل ليصبح 150 عضواً.
من المواضيع غير الإجرائية في القانون، مصادر تمويل الحزب، لأن لها تأثيرا مباشرا على تطور الحياة الحزبية. ففي حين يتفق الجميع على أهمية منع أي مصدر خارجي للتمويل، فإنه في بلد عدد سكانه قليل وموارده محدودة، كالأردن، لن يتمكن أي حزب من الاعتماد على اشتراكات أعضائه مهما كان عددهم، وبالتالي سيصبح مرهوناً لقلة متنفذة، تستطيع تمويل الحزب، لكنها ستسيطر على تفكيره. ومن ثم، هناك حاجة لاعتماد نماذج استخدمتها دول أخرى، بحيث تعطي الدولة الحزب مبلغاً يتناسب مع قدرته على الحصول على مقاعد معينة في مجلس النواب، وهو ما لم يتضمنه قانون الأحزاب الجديد.
أما قانون الانتخاب والأنظمة المتعلقة به، من جهة أخرى، فله أهمية كبرى في تشجيع أو إعاقة تطور الحياة الحزبية في البلاد. وعلى سبيل المثال، فإن تحديد طبيعة الانتخاب، وهل تكون على أسس فردية أم حزبية، أو وفق نظام القوائم أو مختلطة، له أثر كبير في تشجيع أو إعاقة تطوير أحزاب لها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، تستطيع بلورة قواعد شعبية قادرة على إيصال هذه الأحزاب للبرلمان.
ووجود أو غياب العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية، وعدد أعضاء مجلس النواب، لها الأثر الكبير في النوعية التي يفرزها القانون؛ فكلما كانت القاعدة الانتخابية أوسع، أفرزت شخصيات مهتمة أكثر بالعمل الجماعي، وبالتالي الحزبي في نهاية المطاف، بدلاً من إفراز مجلس نواب مبني على قواعد انتخابية ضيقة، وبالتالي مجلس يغلب عليه الهم الخدماتي.
تغيير معادلات قانون الانتخاب يفرز مجالس مختلفة جذرياً عن بعضها بعضا. وإن أردنا الوصول لمجلس نواب يعتمد العمل الجماعي الحزبي الذي ينادي به جلالة الملك، فإن السبيل لتحقيق ذلك على مراحل، ليس عن طريق قانون أحزاب أغلبه إجرائي، ولكن عبر قانون انتخاب يعتمد التدرجية في تخصيص المقاعد لقوائم حزبية، وحزبية فقط، وصولاً ربما لحالة بعد عشرين أو ثلاثين سنة، قد ينتخب فيها كل مجلس النواب بناء على قوائم حزبية، بعد أن يُخلق المناخ المناسب الذي يسمح من جهة بتطوير أحزاب برامجية وليست عقائدية بحتة، ويتعود المواطن الأردني، من جهة أخرى، بأن السبيل لإسماع صوته وتحقيق مطالبه يكون فقط عن طريق انتخاب مجلس قوي يعتمد العمل الجماعي. ومن الأهمية بمكان أيضاً وجود عتبة بنسبة معينة لدخول قائمة حزبية لمجلس النواب، لمنع تشرذم الأحزاب، وتشجيع اندماجها في عدد معقول.
هناك عوامل عديدة تحدد نجاح الأحزاب من فشلها، من أهمها قدرة الحزب على تطوير برامج تحاكي هموم الناس، وإقناعهم بأن غرض الحزب تمثيلهم وحل مشاكلهم، وليس إيصال شخص لمجلس النواب على ظهورهم. وكذلك تطوير قدرة تنظيمية ومالية. لكن المناخ التشريعي له دور مهم في تشجيع أو إعاقة ذلك. في هذا الإطار، فإن قانون الأحزاب في صورته الحالية، أغلبه إجرائي، ولا يرقى إلى قانون الانتخاب في أثره المأمول بتطوير الحياة السياسية في البلاد.
مروان المعشر/من الأهم.. قانون الأحزاب أم الانتخاب؟
13
المقالة السابقة