عروبة الإخباري – في العاشر من حزيران (يونيو) من كل عام، تحتفل المملكة بيوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى، وعند ذكر هاتين المناسبتين، ترد على الخاطر أحداث عظيمة في تاريخ الأمة، وقف فيها الهاشميون وفاء لواجبهم ومسؤولياتهم التاريخية، وقادوا العرب في أعظم ثورة شهدتها أمتهم في تاريخها الحديث.
وعندما نحصي محطات مسيرتنا الخيرة، كانت الثورة العربية أولها، والمرجع الذي يوحدنا والرسالة التي نحملها، ففي مضمونها توحدت مشاعر العرب في كل أقطارهم.
مثلت هذه الثورة الكبرى؛ النهضة وكانت منعطفا تاريخيا انتقل معه العرب من حالة إلى أخرى، بعد حوالي أربعمائة عام من الحكم العثماني الذي طال كل مناحي حياة الأمة، ولم يسهم هذا الحكم بتقدم العرب أو مساواتهم بمن هم مثلهم، ولم يمنحهم أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لذلك كان أفق هذه الثورة هو الوطن العربي بأكمله، ومضمونها قومي يتعدى الحدود الإقليمية الضيقة والأهداف الشخصية الزائلة، والمشاركة فيها جماعية، ضمت المناضلين العرب في معظم أقطار المشرق العربي.
جاءت الثورة العربية الكبرى دفاعا عن الدين والبلاد والأمة، فتحولت تركيا إلى دولة علمانية، يتحكم بها جمال باشا السفاح وأمثاله، ويعلقون المشانق للأحرار، ويخنقون الحرية في نفوس كل من يطالب بها كحق جبله الله تعالى مع كل نفس بشرية، انطلاقا من أن كل مولود يولد حرا كريما لا يقبل الظلم أو الضيم أو الاستبداد.
ولكن هذه الصفات، كانت هي الغالبة على قادة الدولة العثمانية عندما نادت بتتريك لغة القرآن، وعاثت تفسد بما لم يطله الفساد، وتقمع وتشرد وتشنق كل الذين لبوا نداء الفطرة، بحثا عن استقلال إرادتهم وحرية رأيهم وتعبيرهم، فهم لم يتعودوا أبدا أن يكونوا عبيدا لأحد، وهم السادة منذ أن خلقوا، وهم الأحرار الذين نمت الحرية في نفوسهم.
فبحثوا عن سيد من قريش فيه الشجاعة والخلق والذكاء والفطنة، ويكلل هذه الصفات نسب هاشمي عريق، امتد إلى بيت النبوة المتسم بالطهر والشرف والعفاف والأصالة، فاستقر الأمر بأن يكون الحسين بن علي شريف مكة والأدرى بشعابها، لانه الأقدر والأجدر على حمل أمانة الأمة التي طال انتظارها لمثل هذا اليوم.
كان التوجه القومي للحسين بن علي بحمل لواء الثورة ورسالة النهضة وآمال اليقظة العربية، بداية للانعتاق مما كان، والانطلاق نحو ما يجب أن يكون، فتمت المبايعة وتنادى الأحرار من كل صوب وحدب.
وما تأخر أنجال الحسين بن علي عن حمل هذا الشرف والرسالة مع والدهم فكانوا الوزراء والسفراء والقادة، وقبل هذا وذاك، كانوا أمراء الحرية وسدنة البيت الحرام مسرى جدهم ومهبط الوحي، ومن هنا كان الاختيار لهذا البيت مكانا لانطلاق ثورة العرب، امتدادا لرسالة الإسلام والسلام والمحبة والحرية.
لم تكن الثورة العربية الكبرى وليدة لحظات أو تلبية لنزعات شخصية، بل كانت تراكمات كثيرة من الاستعداد والتحضير والتفكير في كل ما يمكن أن تواجهه من معيقات وما يجب أن يحضر على كل المستويات، وعندما كانت الظروف التي يعيشها العرب في ظل الدولة العثمانية لا تمكنهم من القيام بهذه الثورة، ونظرا للمتغيرات السياسية على الساحة الدولية آنذاك، كان لا بد من التحالف مع دولة كبرى، فكانت بريطانيا تسعى من جانبها لهذا التحالف، ليقوي موقفها في الحرب العالمية الاولى، ويضعف من موقف ألمانيا التي انضمت اليها الدولة العثمانية في تلك الحرب بمواجهة بريطانيا وفرنسا.
تمكن الشريف الحسين من أخذ وعود بريطانية، بتقديم المساعدة للعرب في ثورتهم، لنيل استقلال بلادهم وحريتهم، وحدد مطالب أمته، مؤكدا على عدم التنازل عنها، وأن أي دولة تساعد للحصول عليها ستجد من جانبنا الوفاء لما يبرم بيننا من اتفاقيات، تضمن لنا حقوقنا.
ولكن الدول الحليفة كانت تظهر شيئا وتضمر غيره، واتسمت بالخيانة والغدر، وتمثل ذلك بوعد بلفور واتفاقيتي سايكس بيكو وسان ريمو وإمدادات السلاح والأموال والمساعدة العسكرية، بشتى صورها وأشكالها، حتى كانت هذه الوعود والاتفاقيات المبرمة والخيانات المتتالية، اثقل من قتال الدولة العثمانية.
استمرت الخيانات والمساومات بصور وصلت لتغيير مجرى الأحداث من مواجهات الجيش العثماني إلى مواجهات مع الجيش الفرنسي، وتقاعس واضح ومخطط له وسكوت عن الحق من الجيش البريطاني.
وعزز هذا كله تحالف بريطاني فرنسي صهيوني، لتقسيم البلاد العربية والانتداب عليها واستغلال ثرواتها، فطردوا قادة ثورتها خارج البلاد، وأبعدت بريطانيا رمز الوحدة والحرية والاستقلال، وما يزال صدى صوته ينبعث بعد عقود من الزمن ويبشر بقدسية الرسالة، “إنني أحب قومي وبلادي وديني أكثر من أي شيء في هذا الوجود”.
وفي هذا النطاق، فإن القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي الأردني، وارث رسالة الثورة العربية الكبرى، ارتبط تاريخه بتاريخها ارتباطاً عضوياً، وتشكلت نواته من النخبة التي اتحدت تحت راية سمو الأمير عبد الله بن الحسين في الحادي والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 1920 في معان، بعد ان كان لها دور كبير في الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من مكة على يد الشريف الهاشمي الحسين بن علي عام 1916.
شكل الجيش العربي ركناً أساسيا من أركان الدولة الأردنية، وكانت له مساهمة كبيرة في تطور الدولة وتحديثها على المستويات كافة، ونما مع نموها، وتطور بفضل الرعاية الهاشمية منذ عهد الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، الذي أراد له أن يكون جيشاً عربياً مقداماً يحمل راية الثورة العربية التي استمدت ألوانها من رايات الأمويين والعباسيين والفاطميين.
ومن ثم أكمل بنو هاشم مسيرة بناء هذا الجيش منذ عهد جلالة المغفور له الملك طلال بن عبد الله وجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، وصولاً إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي أكمل المسيرة ووصل بالأردن وجيشه المغوار إلى مراتب التميز.
بدأ تأسيس الجيش العربي في معان في الفترة الأولى من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، وبعد تشكيل أول حكومة أردنية في إمارة شرق الأردن، تأسست أول قوة عسكرية بلغ قوامها 750 رجلاً من الدرك والمشاة النظامية والهجانة، سميت بالقوة السيارة، وتولى قيادتها الكابتن البريطاني فريدرك بيك، وكانت أولى مهامها توطيد الأمن والاستقرار في البلاد، وتولى سمو الامير عبد الله منصب القائد العام للجيش، وعمل عندها على تنميته وتزويده بالأسلحة.
في عام 1923 ضُمت القوتان تحت اسم (الجيش العربي) الذي أراد له الأمير عبد الله هذا الاسم، وقضى على حركات التمرد والعصيان وصد الغزوات.
وفي الثاني من شباط (فبراير) 1927 صدر قانون الجيش العربي لعام 1927، وفي عام 1930 عين الميجر جون باجت كلوب مساعداً لقائد الجيش العربي، وتألفت قوة عسكرية صغيرة تحت اسم قوة البادية، تسلم قيادتها الرائد جون كلوب.
وفي ربيع عام 1939 حين اندلعت فيه الحرب العالمية الثانية، تولى كلوب باشا قيادة الجيش، ووصل عدد أفراد الجيش إلى 1600، واخذ الأمير عبد الله يعزز تنظيم الجيش على أسس حديثة، وبدأ التوسع فيه، ثم انطلقت قوة البادية بكتيبة أصبحت لاحقا ثلاث كتائب.
وفي عام 1940 كان الضباط في الجيش كلهم عربا، باستثناء كلوب باشا، وفي ذلك دلالة على التفكير الواعي للقيادة الهاشمية التي أرادت لهذا الجيش منذ البداية ان يكون عربياً هاشمياً مصطفوياً.
وفي هذه الفترة كان الأمير عبد الله حريصاً على استمرار بناء الجيش وفق اسس جديدة، فشكلت كتائب المشاة الاولى والثانية والثالثة.
وفي عام 1943 وصل تعداد الجيش إلى حوالي 6000، شاركوا في الحرب العالمية الثانية بالعراق وسورية، وأعيد تنظيمه وانضوت قواته تحت ثلاثة ألوية، بالإضافة للكتيبة الرابعة وحاميتين، وفي عام 1945 وصل تعداده إلى 8000 جندي وضابط، موزعين على 16 سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من 2000 رجل.
في 25 أيار (مايو) 1946 حقق الأمير عبد الله، طموحات الشعب باستقلال البلاد، وبويع ملكاً دستورياً عليها، وظل جلالته يواصل مساعيه بتنمية الجيش ويطوره، حتى تألفت قوته في أيار (مايو) 1948 من 4 كتائب آلية وبطاريتي مدفعية و7 سرايا مشاة.
وكان للجيش مشاركته المشرفة في حرب فلسطين عام 1948، وقدم صفحات مشرفة، وقوافل الشهداء التي ما تزال ارض فلسطين تنعم بنجيعها في بوابات القدس واللطرون وباب الواد وجنين وغيرها.
وعندما وجد الملك عبد الله أن جبهة المواجهة مع إسرائيل أصبحت أكثر اتساعاً، أعاد تنظيم سرايا المشاة، فتشكلت الكتيبتان الخامسة والسادسة.
وفي عام 1951 ضم الجيش، فرقة تتألف من 3 ألوية، وأنشئت قبل ذلك بعام مدرسة للمرشحين، لتخريج الضباط بما يتلاءم وحاجة الجيش المتزايدة، بالإضافة لمدارس فنية وأسلحة لتدريب الضباط، واطلاق نواة سلاح الدروع والمدفعية والهندسة، ليبلغ تعداد الجيش عام 1951 نحو 12 الف رجل.
في تموز (يوليو) 1951 انتقل الملك المؤسس للرفيق الأعلى، ليكتب عند الله شهيداً على بوابة الأقصى، ضارباً المثل الأعلى في التفاني والتضحية لأجل الوطن والأمة، لتنتقل الراية في أيلول (سبتمبر) 1951 إلى الملك طلال بن عبدالله.
كان الأردن حينها واقعاً تحت ضغوط الاعتداءات الإسرائيلية، وقد تشكل الحرس الوطني آنذاك، وكان قوة احتياطية مهمة، تساعد الجيش في الدفاع عن ثرى فلسطين، وعندما ساءت صحة جلالته ونودي بجلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله – ملكاً على البلاد في الحادي عشر من آب (اغسطس) 1952.
استمر خرق الهدنة وتبادل إطلاق النار من اسرائيل التي صّعدت غاراتها عبر الحدود الأردنية، لكن في الأول من آذار (مارس) 1956 اتخذ جلالته قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش، لتكون عربية أردنية، فاستغني عن خدمات كلوب باشا والضباط الانجليز.
وفي عام 1957 ألغيت المعاهدة الأردنية البريطانية، للتخلص من بقايا النفوذ والسيطرة الاستعمارية، والتدخل في الشؤون الداخلية للأردن.
وفي عام 1956 أصدر جلالة المغفور له الحسين بن طلال، أوامره بالحاق الدرك بوزارة الداخلية بعد فصلهم عن الجيش، وخاض الجيش معارك شرف وبطولة في أقطار عربية عدة، بخاصة على ثرى فلسطين الطهور، فهو جيش لكل العرب، جاءت تسميته بهذا الاسم، نتيجة للدور الكبير الملقى على عاتقه.
ولقد جاء على لسان جلالة الملك عبدالله الأول في التاسع والعشرين من أيار (مايو) 1944 ما يلي “بمناسبة استخدام الجيش العربي هذه الآونة في الأقطار العربية المجاورة، وذيوع سمعته وأعماله الطيبة لدى الأمم المتحدة والحليفة وغيرها، وتميزاً له عن جيوش الأقطار العربية الأخرى، قرر مجلس الوزراء الموافقة على ان يطلق عليه اسم: الجيش العربي الأردني”.
فكان للجيش العربي مشاركاته المشرفة على مستوى الأردن، وفلسطين والجولان ومصر، والحروب العربية الإسرائيلية: 1948، 1967، 1968، 1973، وقدم الأردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء.
ومنذ اللحظة الأولى لتسلم جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، أولى القوات المسلحة جل اهتمامه ورعايته، فسعى جلالته لتطويرها وتحديثها، لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته.
من جانب آخر، ترسخ وجود القوات المسلحة في ميدان حفظ السلام العالمي كقوة فاعلة، إذ نحتفل هذه الايام بمرور 26 عاما من المشاركات الدولية في أرجاء المعمورة.
واستطاعت هذه القوات، أن تنقل للعالم صورة الجندي الأردني وقدرته على التعامل الحضاري مع ثقافات وشعوب العالم المختلفة في: هاييتي وتيمور الشرقية والكونغو وليبيريا وساحل العاج وأفغانستان وغيرها.
أصبح الجيش العربي يرفد الدول الصديقة والشقيقة بالمدربين والمختصين المحترفين في مجال عمليات حفظ السلم والأمن الدوليين، وأنشئ معهد تدريب عمليات السلام كمركز إقليمي وعالمي للتدريب.
وكان تمرين الأسد المتأهب بحلته الخامسة 2015 وبمشاركة من 18 دولة صديقة وشقيقة وقرابة 10 آلاف جندي، ونفذته القيادة العامة، تعزيزاً لدور الجيش العربي وسمعته العالمية.
يعتز رجال الجيش العربي بالشعار الذي يزين جباههم بلونه الذهبي ومعانيه السامية، والذي منه يستمد العزم والعمل، أما الاحتراف والتميز فهما عنوانان آخران له، ففيه يحتضن التاج الملكي بسيفين متقاطعين يرمزان للقوة والمنعة، كما يحتضن التاج الملكي والسيفان المتقاطعان إكليل الغار الذي يرمز للبطولة، ويدل على الخير والسلام، ويوسط الشعار عبارة (الجيش العربي) التي تتضمن معاني قومية ووطنية سامية.
ومع أزمة اللاجئين السوريين التي بدأت منذ 2011 وما تزال مسترمة لليوم، للظروف الأمنية الصعبة التي تعاني منها الجمهورية العربية السورية الجارة الشقيقة للأردن، لجأ عبر حدودنا الشرقية والشمالية آلاف اللاجئين السوريين، أطفالا وشيوخا ونساء وشبابا، بينهم مرضى وجرحى.
ويسجل التاريخ لنشامى الجيش العربي موقفا إنسانيا، يضاف لرصيد سمعتهم وطيب منبتهم ورجولتهم، وولائهم لقيادتهم الهاشمية، ولن ينسى العالم تلك الصور التي التقطتها عدسات كاميرات وسائل الإعلام والجندي الأردني يدفع بنفسه ودمه، لينقذ طفلا أو رجلا أو امرأة.
تعتبر المؤسسة العسكرية، من أكبر وأقدم المؤسسات الوطنية في الأردن، فهي بالإضافة لقيامها بدورها الرئيس في الحفاظ على سلامة واستقرار الأردن وأمنه الوطني، حققت نجاحاً في الإسهام بدور بارز وفاعل في ميادين التنمية، عبر المشاركة بشكل جاد في تخطيط وتنفيذ العديد من المشاريع لتحقيق حياة أفضل للشعب.
ويمكن إجمال مشاركة القوات المسلحة في المجال التنموي بما يلي:
تستوعب هذه القوات بمختلف أسلحتها وصنوفها وباستمرار، مئات الآلاف من أبناء الوطن لتنفيذ مهامها سلماً وحرباً.
وهيب تتولى تعليم وتدريب وتربية من ينخرط في صفوفها ضباطاً وأفراداً، بخطط وبرامج تأسيسية ومتوسطة ومتقدمة، ويكاد يكون هذا التدريب مستمراً طيلة الخدمة العسكرية، إضافة إلى ممارسة نظريات ذلك التعليم والتدريب عملياً خلال الخدمة في وحدات القتال أو الإسناد في الميدان أو القاعدة، أو عبر معاهد التدريب وهيئات القيادات والأركان.
يصل عدد اختصاصات القوات المسلحة المهنية إلى نحو 300 اختصاص، تشمل المهن: الإدارية والهندسية على اختلافها من إنشائية وميكانيكية وكهربائية وإلكترونية والمهن الطبية وغيرها.
تسهم الخدمات الطبية الملكية بتقديم الرعاية والعناية الطبية الوقائية والعلاجية لمنتسبي القوات المسلحة وبقية الأجهزة الأمنية، وتوفير التأمين الصحي لجميع المنتفعين من ذويهم (أي ما يعادل ثلث سكان المملكة)، وذلك عبر مستشفياتها المنتشرة في أنحاء الوطن، بسعة تزيد على 2500 سرير، إضافة لمعالجة المحولين من المستشفيات الحكومية والخاصة الأخرى.
وكذلك فإن المستشفيات الطبية العسكرية الميدانية، تمتد لتشمل الكثير من المناطق النائية، وتعالج أبناء الأردن الموجودين في تلك المناطق من دون استثناء، كما تسهم بتفعيل دور الأردن إقليمياً ودولياً عن طريق إرسال الفرق الطبية ومستشفيات الميدان لمناطق الكوارث والصراع في العالم (العراق، السودان، مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية وغزة، أفغانستان، سيراليون، أريتريا، ليبيريا، بروندي، ومصر الشقيقة..)، يضاف إلى ذلك عملية الربط الالكتروني بين الخدمات الطبية والمستشفيات العالمية.
أما مديرية التربية والتعليم والثقافة العسكرية ومعهدي اللغات والحاسوب وغيرها من معاهد القوات المسلحة، فيسهمون بتقديم خدمات تعليمية واجتماعية، لشرائح واسعة من المجتمع من أبناء العسكريين والبادية، ونجمل أدوارها بـ: توفير التعليم المجاني لأكثر من 15 ألف طالب موزعين على 37 مدرسة منتشرة في المملكة، وتوفير السكن الداخلي ووجبات الطعام المجانية في جميع المدارس المقامة في المناطق النائية والبادية.
كما تقدم خدمات تعليمية في مجال محو الأمية ودورات في الحاسوب واللغة الإنجليزية، وتوفر التعليم الجامعي لأبناء العاملين في القوات المسلحة، والأمن العام، والمخابرات العامة والدفاع المدني وأبناء المتقاعدين العسكريين والشهداء، عبر تطبيق نظام المكرمة الملكية السامية، الذي نص على تخصيص 20 % من المقاعد في الجامعات والمعاهد الحكومية.
وبلغ عدد المستفيدين منها منذ عام 1980 نحو 166306 طالبا وطالبة، منهم 124123 في الجامعات و42183 في كليات المجتمع، وبلغ عدد الطلاب المقبولين للموسم الماضي بالجامعات 6476، كما تشرف المديرية على تنفيذ المكرمة الملكية لأبناء العشائر والمدارس الأقل حظاً، وكذلك تشرف على تدريس العلوم العسكرية بالجامعات الأردنية الرسمية والخاصة.
للقوات المسلحة، دور بارز في مجال العلوم والتكنولوجيا ويظهر ذلك عبر إنشاء مركز الملك عبدالله للتصميم والتطوير (كادبي) عام 1999 كمؤسسة مستقلة ضمن القوات المسلحة، تعمل كنواة لصناعة المهمات والمعدات العسكرية والمدنية، لتغطية حاجة الأردن والأسواق المجاورة.
حقق “كادبي” نجاحات باهرة في مجال الدراسات والتصميم والإنتاج الفعلي، لآليات أدخل قسم منها للخدمة في القوات المسلحة والدفاع المدني والأمن العام، بالإضافة لعرض هذه المنتجات في معارض: الدفاع الدولي (إيدكس) في الإمارات، و(يوروساتوري) في فرنسا، وأنظمة ومعدات الدفاع العالمي في المملكة المتحدة (DSEI)، ومؤتمر العمليات الخاصة (سوفكس).
وكذلك فإن (كادبي) يسهم بتدريب مهندسين وفنيين عبر مشروعات المركز، ورفد الأسواق المحلية بهذه الخبرات، كما تعقد دورات تدريبية للمهندسين والفنيين بالمركز.
وتسهم القوات المسلحة بتوفير التدريب الفني والمهني لقطاعات واسعة من المجتمع، بفضل توافر المعاهد والكليات والمدارس الفنية فيها بمختلف التخصصات (طيران، اتصالات، ميكانيك، إنشاءات، هندسة مدنية ومعمارية، هندسة إلكترونية..الخ)، وتنفيذ مشروع التدريب الوطني بالتعاون مع وزارة العمل، وبمشاركة القطاعين العام والخاص بواسطة الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب، إذ دربت عشرات الآلاف من الأفراد.
كما تقوم القوات المسلحة بدور بارز في حماية البيئة، بحيث يظهر هذا الدور عبر زراعة الأشجار الحرجية والمثمرة في مناطق وجود الوحدات العسكرية، للمحافظة على الغطاء النباتي، ووضع تعليمات خاصة لحماية البيئة وتطبيقها بشكل حازم وجازم من جميع التشكيلات والوحدات.
كما تتعاون مع المؤسسات الحكومية والخاصة المهتمة بالبيئة كوزارة البيئة وجمعيات البيئة المختلفة، وتركز على استخدام الطاقة المتجددة ودعم مشروعاتها.
الى ذلك، ساهمت القوات المسلحة منذ نشأتها في مشروعات تطويرية عديدة، كفتح الطرق والجسور والمطارات والسدود والمياه والكهرباء، وتعمل عبر مديرية مؤسسة الإسكان والأشغال العسكرية بتخطيط وتنفيذ مشروعات سكنية وإنشائية عسكرية وحكومية، ويظهر ذلك عبر تخصيص أراض من أراضي القوات المسلحة لأغراض الحدائق العامة، والأندية الشبابية، والمشروعات الاستثمارية الضخمة (مشروع معسكرات الزرقاء والمشروعات الإسكانية لمنسوبي القوات المسلحة في مختلف مناطق المملكة).
كما تأسست الشركة العربية الدولية للمقاولات وشركة القمة التابعتين للقوات المسلحة، حيث نفذتا مشاريع كبرى في المملكة.
وتقوم القوات المسلحة بالتعاون مع كل من وزارتي الزراعة والمياه والري- سلطة وادي الأردن بتنفيذ مشروعات زراعية وطنية، تسهم برفد هذا القطاع المهم، الذي ينمي الدخل القومي، كما تنشئ السدود الركامية وتقوم بصيانتها وإزالة حقول الألغام.
وتدعم القطاع الصناعي عبر تقديم خدمات فنية، مثل تصليح وصيانة وتحديث وتجديد قطع الغيار لمعدات المصانع عبر المشاغل الفنية لمديرية سلاح الصيانة الملكي، وبكلفة مالية قليلة، وتقديم خدمات المعايرة الفنية لأجهزة المصانع عن طريق مختبرات سلاح الجو الملكي، وتأهيل المختبر الصناعي الأردني، كمختبر معتمد لاختبار جودة المنتجات، (مختبر النسيج، مختبر الأغذية، المنظفات، الأحياء المجهرية).
كما تقدم القوات المسلحة وعبر قيادة سلاح الصيانة الملكي ومشاغله المختلفة، خدمات استشارية فنية لقطاع الصناعة الوطنية، في معالجة فضلات الطعام والمياه، وتصليح وإعادة بناء الآليات والمعدات الخفيفة والثقيلة المستخدمة في قطاع الصناعة الوطنية.
وتسهم أيضا بتشجيع السياحة الداخلية والخارجية عن طريق توفير الأمن والاستقرار في البلاد، ما يخلق مناخاً ملائماً لنمو وتطوير السياحة، ويظهر ذلك عبر حماية المواقع السياحية من العبث ومكافحة عمليات تهريب التحف الأثرية.
كما تسهم بالترويج للأردن سياحياً واقتصادياً عن طريق المشاركة بالدورات والبعثات والوفود والمعارض الدولية، ومشاركة مؤسسة تشجيع الاستثمار ضمن جناح مركز الملك عبدالله بالمعارض العسكرية الدولية، والتعريف بالأردن سياحياً باستضافة الوفود الأجنبية والعربية الزائرة للقوات المسلحة.
وتدعم هذه القوات الجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية والأهلية، بالقاعات الهاشمية وإقامة المعارض العسكرية في الاحتفالات الوطنية للمملكة، وتوفير الخرائط السياحية عن طريق المركز الجغرافي الملكي.
كما حققت القوات المسلحة قفزة نوعية في مجال الاستثمار، سعياً وراء الوصول إلى درجة مناسبة من الاكتفاء الذاتي، وتخفيف العبء المادي عن موازنة الدولة، وتبلور هذا التوجه البناء بإنشاء مديرية الإنتاج العسكري التي أصبحت مصانعها ومنشآتها المختلفة، تشكل مصدراً مهماً للدخل، بالإضافة لتوفير متطلبات القوات المسلحة بكلفة مادية معقولة، وتنفيذ مشروعات الاستثمار على مختلف المستويات.
وفي الاعلام، تسهم مديرية التوجيه المعنوي بفعالية في التنمية عبر القيام بواجباتها الإعلامية والمعلوماتية والنفسية التي تنجز عن طريق تنفيذ النشاطات والجهود المختلفة في القطاع المدني، وعلى الصعيدين الرسمي والخاص، لتحقيق مهمة نشر التوعية الوطنية وترسيخ مبدأ الولاء والانتماء، وإدامة الروح المعنوية وتنمية الإرادة ومواجهة الأفكار المغرضة والإشاعات، بلغة العقل والحوار العلمي الهادف، والتركيز على ثوابت الرسالة التاريخية، وإيجاد جيل واع قادر على حمل الرسالة ومواصلة المسيرة، إذ نقلت للعالم صورة الجيش العربي في كافة وسائل الإعلام.
وفي هذا النطاق، جاء برنامج فرسان المستقبل بتوجيهات من جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني، عندما أوعز جلالته في رسالة ملكية لمستشاره للشؤون العسكرية رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن، بإعادة النظر بمنهجية التجنيد ومسار الخدمة العسكرية للضباط.
وفي رسالة جوابية رداً على الرسالة التي وجهها جلالة القائد الأعلى أطلق مستشار جلالة الملك للشؤون العسكرية رئيس هيئة الأركان المشتركة برنامج فرسان المستقبل، الذي يوفر فرصة لمن يرغب من الجامعيين بالالتحاق بالقوات المسلحة، ضمن مسار الخدمة المرحلية غير الدائمة، بحيث تبلغ مدة المرحلة الأولى، والتي تتضمن التدريب العسكري التأسيسي (5 أعوام)، ولا يتم الانتقال للمرحلة الثانية ومدتها 5 أعوام جديدة، إلا في حال رغبة الضابط وموافقة القيادة العامة، وكذلك الحال في الانتقال لمرحلة الخدمة المستمرة بعد العام العاشر.
ويهدف البرنامج إلى أن يكون حاضنة لتطوير خبرات وكفاءات شباب الوطن، لينخرطوا من بعده في مختلف القطاعات وميادين الإنتاج، متسلحين بأعلى درجات الانضباطية وقيم التفاني والعطاء.
وتأكيداً على الثقة الكبيرة والمكانة الرفيعة التي تحظى بها القوات المسلحة، وتعزيزاً لدورها ورسالتها العروبية والمصطفوية على مر محطات تاريخية حاضرة ومستقبلية مهمة في الأردن والمنطقة العربية ومختلف بقاع العالم، كانت الثقة الملكية السامية بتسليم الراية الهاشمية لمستشار جلالة الملك للشؤون العسكرية، رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول الركن مشعل محمد الزبن، وذلك خلال مراسم عسكرية مهيبة في ساحة قصر الحسينية.
وتعتبر الراية برمزيتها الهاشمية ودلالتها الدينية والتاريخية والعسكرية، الامتداد الطبيعي لراية الثورة العربية الكبرى، التي احتضنت ألوان رايات الحضارة الإسلامية والعلم الأردني وأعلام ورايات الجيش العربي، الحافلة بتاريخ عريق يربط الحاضر بالماضي وتتوارثه الأجيال رمزاً للحياة والسيادة والاستقلال، وتجسيداً للحرية والشجاعة والفروسية.
ويعكس الشعار (لا إله إلا الله – محمد رسول الله)، الذي يتوسط الراية الهاشمية، وعبارتي البسملة اللتين تسبقان الشعار، والحمد التي تتبعه، معاني ودلالات تؤكد التزام القوات المسلحة ومنذ تأسيسها بالدفاع عن العروبة والإسلام ومبادئ الإنسانية.
ويأتي لون الراية الأحمر الداكن، من لون راية الشريف الحسين بن علي وقبله الشريف أبي نُمي، رحمهما الله، وقافلة من الأشراف الهاشميين الأحرار، ما يؤكد تاريخيتها وتوافقها مع مبادئ الثورة العربية الكبرى، إلى جانب ما شكله هذا اللون في تاريخ الشعب الأردني وثقافته وهويته. وتحمل الراية الهاشمية النجمة السباعية التي تشير إلى السبع المثاني: آيات سورة الفاتحة في القرآن الكريم، ومن ناحية أخرى فهي رمز السموات السبع، ورمز الملكية الهاشمية، واختير خط الثلث، وهو من أجمل الخطوط العربية الإسلامية، لتخُط به مضامين الراية.
وستكون هذه الراية عنوان مجد وكبرياء، يحملها أبناء الجيش العربي المصطفوي في ساحات الوغى، مثلما حملوا المبادئ السامية لرسالة الإسلام والثورة العربية الكبرى جيلا بعد جيل، خدمة للوطن والتزاماً بالتاريخ وحفاظاً على الشرعية والإنجاز، تحت ظل قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني المفدى.
وفي هذه المناسبات الخيرة على وطننا ندعو الله العزيز القدير أن يحفظ الوطن وقائده وشعبه وان يديم نعمة الأمن والأمان، وان يبقى الأردن الأغلى والأجمل وسنبقى نحن جنود القوات المسلحة الأردنية الأوفياء لله والوطن والقائد ما حيينا.-(إعداد مديرية التوجيه المعنوي – بترا)
الجيش.. حارس الأرض والإنسان في وطن العز والرجال الأحرار
12
المقالة السابقة