ليس مفهوماً لماذا تأخر قانون الانتخاب حتى اليوم. فالحجج كافة التي تسوّقها الحكومة حتى الآن، غير مقنعة. إذ لفترة من الوقت، كانت الحكومة تقول إن القانون في الأدراج ينتظر الوقت المناسب لإخراجه، من دون أن تحدد الظروف التي تجعل من الوقت مناسباً. ثم صارت الحجة انتظار قوانين اللامركزية والبلديات والأحزاب. وطبعاً، لم يقل أحد هذا الكلام وقت انطلقت الثورات العربية العام 2011؛ حين أصبح قانون الانتخاب أولوية من دون انتظار قوانين أخرى. كما أن هذه الحجة لا تتفق مع كون القانون جاهزاً في الأدراج، إن كان سيعتمد على مخرجات القوانين الأخرى أعلاه.
ثمة إشارات مزعجة قد تفسر تأخر القانون. موقف رئيس الوزراء من موضوع “الصوت الواحد” واضح خلال وجوده في مجلس النواب، وفي رئاسة الوزراء. ويشاطره الرأي في ذلك وزير التنمية السياسية. فكلاهما يعتقد أن أي قانون جديد للانتخابات يجب أن يبتعد عن الصوت الواحد (في الحقيقة، هو جزء من صوت)، كمدخل لإزالة الاحتقان السياسي، والتأسيس لبرلمان أكثر تمثيلا وعدالة واعتماداً على العمل الجماعي الحزبي، كما نادى بذلك جلالة الملك بكل وضوح، وبما لا يدع مجالاً للتأويل، في أوراقه النقاشية. ومن الواضح اليوم أن مكونات الشعب الأردني كافة مستاءة من قانون الصوت الواحد، وليس صحيحاً أن الاستياء منه مقتصر على جماعة الإخوان المسلمين، أو المكون من أصل فلسطيني، وذلك لأسباب عدة؛ إذ تشعر مكونات متنوعة أن القانون أوجد مشاكل داخل مجتمعاتها هي في غنى عنها. كما أن اللجان الوطنية كافة التي شُكلت لإيجاد صيغة توافقية، وآخرها لجنة الحوار الوطني الملكية برئاسة دولة طاهر المصري، انتهت إلى صيغة توافقية تبتعد عن الصوت الواحد أيضاً.
بالرغم من كل ذلك، فإن “مشروع” القانون الجديد ما يزال حبيس الأدراج. وهناك إشارات مزعجة على أن بعض الأفراد والجهات المتنفذة خارج الحكومة ما تزال تستخدم فزاعة الإخوان المسلمين للتشبث بقانون الصوت الواحد، وأنها نجحت حتى الآن في إيقاف الحكومة من التقدم بقانون انتخاب لمجلس النواب يحظى بحد أدنى من التوافق الوطني، ويبدأ بتحقيق تطلعات جلالة الملك لبناء نظام من الفصل والتوازن.
أرجو أن لا يكون ذلك صحيحاً؛ لأنه إن كان كذلك، فإنه يشير إلى قصر نظر مقلق لدى بعض صناع القرار فيما يتعلق بالطريقة المثلى ليس فقط لتجنيب الأردن احتقانات غير محمودة، ولكن لوضعه أيضاً على سكة الاستقرار والازدهار المستدامين، والتأسيس للدولة المدنية الحديثة، وبناء المؤسسات القوية الحامية له، وإعطاء المواطن الشعور بأنه شريك حقيقي في صنع القرار. إن كان التشبث بالصوت الواحد صحيحاً، فإن ذلك يشير إلى أن البعض يصر على تنصيب نفسه حامياً للدولة وبطريقة استعلائية، بالرغم من التوافقات الوطنية.
يفسر البعض الهجمة الأخيرة على الحكومة، من قبل مسؤولين حاليين وسابقين كبار، من هذه الزاوية. فيرون فيها محاولة إضعاف للحكومة، بل والإطاحة بها، بسبب قانون الانتخاب والصوت الواحد؛ ويرون في هذه الجهود محاولة مستميتة للإبقاء على قانون الصوت الواحد، وبالتالي على الوضع القائم رغم أنف الجميع.
مرة أخرى، أتمنى أن تكون هذه القراءة خاطئة. فانتقاد الحكومة مشروع، وحق بطبيعة الحال. لكن إن كان السبب هو التمسك بقانون وضح للقاصي والداني أن الزمن تخطاه، فيكون هذا مصيبة. إن انتخاب 150 شخصاً بهذه الطريقة في بلد صغير كالأردن، يعني بالضرورة التمسك بمجلس نواب أعضاؤه منتخبون بأعداد قليلة، وبالتالي هو مجلس في غالبه خدماتي؛ لا هو قادر على ممارسة دوره الرقابي والتشريعي باقتدار، ولا على إقناع مكونات الشعب كافة بعدالة التمثيل، ولا قادر على التأسيس للعمل الجماعي المنظم.
أتمنى أن يخرج من السلطة التنفيذية من يقدم للناس شرحاً وافياً يدحض حجة هذا المقال، ويعلمنا، من دون استغفال، بالأسباب التي أدت إلى هذا التلكؤ في إخراج القانون