هي بالعربية الفصحى لمن لا يعرف الأردنية بكل لهجات الأردنيين تعني: ليتني قرأت. ذلك التمني ليس بالمحال، بل هو في متناول اليد وبالمجان. لا يستطيع أحد أن يدعي أن ضيق ذات اليد أو عدم كفاية أربع وعشرين ساعة يوميا، ويومان كاملان أسبوعيا -كعطلة أسبوعية- غير كافية للاستجابة للنداء الرباني الذي تفخر به «خير أمة أخرجت إلى الناس» ألا وهو «اقرأ»..
في لهجتنا الجميلة التي يعرف قدرها مدرب منتخبنا الأردني، الأردني من أصل مغربي -وهو طيبٌ من طِيب- جمال السلّامي، «عندنا في الأردن» بمعنى «لينا» بالأردني المعاني و»دْيالْنا» بالمغربي، «قريت» تعني أيضا درست أو تعلمت. نقول إن فلانا ابن علان -ونقولها بفخر- «قَرا» أمن سيبراني في أميركا مثلا، أو جيولوجيا، تخصص المعادن النادرة، في كلية العلوم في أم الجامعات في مملكتنا الحبيبة، الجامعة الأردنية.
من جميل ما توفره بعض الألواح الذكية، ومنها «كِنْدِل» الجهاز والتطبيق، قدرته على تعريف «القاري» مسبقا أو القارئ الذي يهمّ في تناول كتاب أو مجلة أو جريدة، بأن ما هو بصدد قراءته من محتوى، يستغرق وقتا محددا، قياسا بسرعة قراءة ذلك القارئ نفسه. يحيطني «كندل» جزى الله مطوّرتها أي شركتها الأمريكية العالمية أمازون خيرا، يحيطني علما بأن الكتاب الذي اخترت، سيستغرق من وقتي الثمين وحياتي الغالية ووضعي الاعتباري «المهم»! خمس ساعات مثلا. ويحرص «كندل» على سبيل التحفيز على المثابرة في القراءة، يحرص على إطلاعي مسبقا بأنني قد «قريت» ما نسبته على سبيل المثال، سبعون بالمئة من الفصل، وثلاثون بالمئة من الكتاب. تلك معلومة استطلاعية بالمجان، لسد الثغرات أمام أعداء القراءة، ودرء مفاسد مناهضي الثقافة والمعرفة والعلوم والآداب والمهارات بجميع أنواعها، المهني والشخصي للغاية.
وكم هي محرجة بعض البرمجيات التي تظهر لك حتى على منصات التواصل الاجتماعي أن بعض «اللايكات» والتعليقات الحميدة والخبيثة، لا بل وحتى إعادة مشاركات المحتويات السمعية والبصرية يتضح عند التشريح السيبراني لها، أن ما يصدق في الكثير منهم، «ياريت قريت»!
أعلم أن نسبة المهمين والمنشغلين كبيرة كلما صار المجتمع أكثر انشغالا بالشأن العام أو بالحياة اليومية بكل ما فيها من تحديات وفرص، وما يراه البعض مصائب ومشاكل، إلا أن الكثير منها كانت حلولها وحتى الوقاية منها، على بعد حرف لا حجر!
«الحكمة ضالة المؤمن»، ومن أكرمه الله بوالدين زرعا في عقله وقلبه تلك الجذوة «كندل» -الفتيلة المدخّنة القابلة أن تصير شعلة- سيبقى نور ونار المعرفة متّقدا فيه على مدار الأيام والساعة حتى تؤوب الروح إلى باريها.
اقرأ بالله عليك أخي القارئ الكريم إن وصلتك هذه السطور. احرص على القراءة أسبوعيا أو شهريا ولو كتيّبا. اقرأ كتابا لا مقالا أو منشورا هنا وهناك على منصات التواصل الاجتماعي. الكتاب إن أحسنا اختياره موضوعا وتوقيتا، قد يغني عن «قْرايِة» جامعة! لذلك قيل ثمة غزارة في الخريجين، وكثرة في المتعلمين، وندرة في المثقفين..
من العادات الحميدة الراسخة في بلاد العم سام، اقتناء واستعارة القراء الكتب الحديثة والمستعملة، هذا فضلا عن استعارة الكتب من المكتبات العامة ومكتبات خيرية تطوعية كأكشاك الطريق أو مكتبة «ع الناصية» كما في اللهجة المصرية واسم ذلك البرنامج الإذاعي الشهير.
سقا الله أيام مكتبة العاصمة «وسط البلد»، ورحم الله أستاذتنا المعلمين الذين حرصوا على تكليفنا بأبحاث من خارج مكتبة المدرسة على ثراء مقتنياتها ونحن في المرحلة الثانوية. اتضح أنها «رئيسية» في زرع محبة القراءة والولع في المعرفة والبحث والتدقيق، للتحقق مما بين أيدينا من حروف وكلمات، أرقام وأصفار..
«يا ريت قريت»؟!* بشار جرار
2
المقالة السابقة
