سلطان الحطاب –
أثار صاحب دعوة العشاء بمناسبة عيد الميلاد احد الاصدقاء، فضول الكتاب،والحاضرين من شخصيات عديدة حين احتد النقاش بين الحاضرين حول تهنئة المسيحيين في عيد الميلاد بقوله الجميل، “المسيحيون والمسلمون في الأردن يدان في نفس الجسم، تساعد كل واحدة الأخرى، ويد واحدة لا تقدر”، وصمت في حين تحدث آخرون، وقال القس سامر عازر، يستفسر، لماذا، وهل كل المسيحيين في العالم العربي يحظون بنفس الرعاية التي يحظى بها المواطنون الأردنيون المسيحيون واثنى على التعبيرات في الإعلام الرسمي الأردني الذي لم يعد يستعمل مصطلح الطوائف في وصف رؤساء الكنائس، بل استعمل رؤساء الكنائس، وقال القس، ان عمان تحتفل بعيد الميلاد في مظاهر واضحة في أماكن مختلفة، حيث تنتشر معالم الزينة وأشجارها، في الدوار السادس والعبدلي والفنادق، كما لو ان الاحتفال بعيد الفطر أو الأضحى.
هذا الكلام دفعني للكتابة، من اجل أن اؤكد أن موقف الأردن نابع من فكر الثورة العربية الكبرى وما جاء في جريدة “القبلة” التي كان يصدرها الشريف حسين بن علي، في مكة، وتنطق باسم ثورته في مواجهة الاحتلال العثماني، وفي القبلة، نداء للمسيحيين وشكر لانخراطهم الى جانب اخوانهم المسلمين في مواجهة الاحتلال والبطش وخلق المواطنة، وهو ما كتبت عنه أيضاً الدكتورة هند أبو الشعر بشكل لافت، وقد كانت الدعوة من الشريف حسين، والتي تولاها ملوك الهاشميين من بعده، الملك عبد الله الأول، وطلال والحسين، ووريث فكر الثورة الآن الملك عبد الله الثاني صادقة في ذلك .
وكانت الاحتفالات بعيد الميلاد في مدينة بيت لحم المحتلة، حيث حرص الراحل الحسين على مشاركة الأردن سنوياً، وكذلك فعل الملك عبد الله الثاني، تكريماً وتوقيراً للمسيحية، وخاصة اتباعها من الأردنيين العرب وارسال رسائل للعالم ان الملك هو صاحب الوصاية والرعاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، والملك عبد الله ظل يؤكد أن الأردن هو “وطن للجميع، مسلماً ومسيحياً” وأن التنوع هو مصدر قوة وليس سبباً للخلافات، وظل يحرص على تهنئة المسيحيين في أعيادهم وفي اعياد الميلاد ويستقبل قادة الكنائس المسيحية، وزعماءها من الداخل والخارج، كما ظل يتمتع بعلاقات خاصة مع بابا الفاتيكان في زياراته للفاتيكان لأكثر من مرة، ووقف البابا على موقع عماد السيد المسيح الذي أقام السيد نديم المعشر عليه كنيسة مشهورة هي كنيسة المغطس والتي زارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نهر الأردن، كما اصبحت مكان جذب وزيارة لكثير من الحجاج والقادة ورجال الدين على مختلف معتقداتهم وقد كانت زيارة البابا فرانسيس عام 2021 صحبه الملك والملكة والأمير غازي مستشار الملك للشؤون الدينية، وقد احتفى كل الأردنيين بذلك.
وقال الملك عبد الله الثاني، ان المسيحيين كانوا وما زالوا شركاء في عملية التنمية الوطنية، وظل الملك مدافعاً عن حقوق المسيحيين في الأردن وفي المنطقة كلها ، وقد تحدث عن اوضاعهم الصعبة في العالم العربي، وخاصة عندما كانت تستهدف كنائسهم في العراق وغيره على ايدي قوى متطرفة ، وعمل الملك ما استطاع على أن لا يهاجر مسيحيو فلسطين أو يتركوا بيوتهم وكنائسهم، حيث يجري تضييق الاحتلال عليهم بشكل كبير أدى الى هجرة الكثيرين، داعياً الى دعمهم ودعم صمودهم في القدس وفلسطين وكل البلدان التي يمسهم فيها الأذى.
وقد وفر الملك عبد الله الثاني رعايته للقبر المقدس في اعادة الاعمار له في كنيسة القيامة وكذلك كنيسة صياح الديك في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم واستقبل المطارنة والاساقفة، وسدنة الكنائس من فلسطين وغيرها من العالم العربي، وقد حظوا دائماً بالتكريم والتقدير.
وظل الملك يدعو الى مواجهة ونبذ ووقف خطاب الكراهية، ويعتبر أي جزء منه يمس المسيحيين الأردنيين يمس الوحدة الوطنية ويعاقب عليه القانون كجريمة، وقد حدث ذلك وجرت المساءلة والعقوبة لبعض من اخذهم الهوى والتطرف،ليظل مجتمعنا نقياً واحداً موحداً.
أما موقف الرسول عليه السلام من المسيحيين، فقد كان يعاملهم باحترام ويشدد على ضرورة ذلك وكانت له عهود مع المسيحيين في نجران وظل يذكر في تعهداته أنه يضمن لهم حقوقهم الكاملة ومن بينها حماية كنائسهم وعباداتهم، وكانت العهود مكتوبة، وكان يحترم حرية الدين، “لكم دينكم ولي دين” ويقول “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، وكان في كل مواقفه يظهر احتراماً للسيدة العذراء مريم وعيسى عليه السلام الذي يشترك المسلمون والمسيحيون في محبتهما، ويقدر كل الرموز الدينية في المسيحية، حتى أنه يوم الفتح في مكة لم يُزل عن جدار الكعبة صوراً لمريم وسيدنا المسيح، في حين حطم أوثان العرب وآلهتهم التي كانوا يضعونها جوار الكعبة وخاصة هُبل واللات والعزة ومناة وغيرها.
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام “إذا لقيتم أهل الكتاب فمروا فيهم بالسلام …. وعلى الناس أن تتأمل ذلك في التحية لأهل الكتاب وتهنئتهم والتفريق بين هذا الموقف الذي يعبر عنه الرسول والاسلام الصحيح، ولا يعبر عمن يعملون عكس ذلك باسم الاسلام/ كما أنه، أي موقف الرسول، ميّز بين ما يريد من المسلمين أن يفعلوه وبين ما يفعله اليهود الاسرائيليون في شتم المسيحيين والبصق على مقدساتهم في أعيادهم، وما فعلوه في نعش الراحلة الشهيدة، شيرين أبو عاقلة” أكبر مثال وهم يغلقون الكنائس ويدمرونها ويمنعون الصلاة فيها في أيام الأعياد.
وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى صاحب كتاب فقد آذاني، وأن لا أكراه في الدين، وكذلك في وصية الرسول لاسامة بن زيد وهو يتوجه لغزوة مؤته ووصيته بالمسيحيين وكنائسهم .
ولعل أبرز مواقف الرسول في ذلك ما حدث مع أمير آيلة وقراها، الأسقف المسيحي الارثوذكسي الغساني “حنة بن رؤبة “الذي زار الرسول في موقعة تبوك وتبادلا الهدايا، حيث أهداه الأسقف بغلاً أبيض، في حين أهداه الرسول بردة يمنية وعصا وكتبوا بينهما العهدة المحمدية لأهل آيلة، وقد جمعتها ووثقتها في كتابي عن العقبة بالعربية والانجليزية، وفيها أن الاسقف وسكان العقبة وامتدادها حتى مأدبا هم آمنون في برهم وبحرهم ومن اوى معهم من اهل الشام واهل اليمن ولهم في ذمته ما للمسلمين، وان لا تمس كنائسهم وان لا يعتدى عليهم وأن تصان أموالهم وتجارتهم وهذه العهدة بقيت سارية، حتى عام 93 للهجرة، في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز، وهي المسؤولة عن بقاء المسيحيين في جنوب الأردن واحتفاظهم بديانتهم، رغم أن المكان كان ممراً لجيوش الفتح الاسلامي حيث كان الأردن (كرادور) هذا الفتح ومعبره المتجه للأندلس غرباً وللصين شرقاً،فقد بقوا على ديانتهم بل وناصروا المسلمين في معركة مؤتة ولهم مآثر أخرى.
وبقي التعامل مع الأسقف ابن رؤبة مثلاً يحتذى، ولا بد من احياء تلك السيرة العطرة والتمسك بها، وكل عام وانتم بخير، والتهنئة الصادقة لأخواننا ومواطنينا الأردنيين المسيحيين.
