عروبة الإخباري –
الدستور – رنا حداد –
شارك الأردن في الدورة العاشرة من ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي، الذي نظمه صندوق التنمية الثقافية في مصر، بحضور مندوب السفارة الأردنية المستشار الإعلامي الدكتور علاء الزيود، إلى جانب دبلوماسيين ونخبة من الخطاطين والباحثين والمتخصصين في فنون الخط العربي من مختلف الدول.
ومثّل الأردن في هذا الملتقى الفنان والخطاط ياسر يوسف الجرابعة، رئيس جمعية أمواج للثقافة والفنون، ومدير مهرجان العقبة الدولي للخط العربي والزخرفة الإسلامية، حيث شارك بأربع لوحات من الخطوط العربية الكلاسيكية، شملت الخط المحقق، وخط الثلث، والخط الكوفي، وخط النسخ، عاكسًا تنوّع المدارس الخطية وثراء التجربة العربية في هذا الفن العريق.
كما قدّم الجرابعة ندوة متخصصة بعنوان: «خط الثلث المملوكي في قلعة العقبة دراسة تحليلية»، حظيت بحضور ومتابعة واسعة من مثقفين وفنانين وروّاد الملتقى، وسلّطت الضوء على خصوصية الخط العربي في العمارة الإسلامية الأردنية، ودوره في توثيق التاريخ والهوية.
وأكد الجرابعة أن المشاركة الأردنية جاءت في إطار الجهود المستمرة للحفاظ على الهوية العربية، وتعزيز حضور الخط العربي في المحافل الدولية، مشيرًا إلى أن الحرف العربي ليس مجرد وسيلة كتابة، بل فن بصري وروحي يعكس ثقافة الأمة وذاكرتها الحضارية.
الخط العربي فن وهوية
ويرى الجرابعة أن العلاقة بين الرسم والخط علاقة عضوية، فالخط بحد ذاته فن، والخطاط فنان يمتلك رؤية وحسًا، تعبّر أحرفه عن نفسيته وما بداخله، تمامًا كما يفعل الرسام أو الموسيقي في مجاله. ويقول إن المتلقي يرى الخطاط من خلال حروفه، كما تُقرأ بيئة الشاعر في قصيدته، أو تُسمع روح الفنان في موسيقاه.
ويؤكد أن ما يميز الخط العربي عن غيره من الفنون الكتابية، أنه ارتبط بالفن الإسلامي تحديدًا، حتى بات رمزًا بصريًا مباشرًا للهوية الإسلامية، لا يختلط على المتلقي بانتماء آخر أو ثقافة أخرى، وهو ما يمنحه قوة رمزية ورسالة حضارية واضحة.
ورغم ما يواجهه الخط العربي من تحديات في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، إلا أن الجرابعة يرى أن هذا الفن، وإن كان يعاني من أزمة وتراجع في بعض البيئات، سيبقى لسان حال الأمة الصادق، ورمزها الثقافي الذي لا يخطئ.
بين اليد والحاسوب
وعن دخول الحاسوب إلى عالم الخط العربي، يوضح الجرابعة أن التطور في حد ذاته أمر محمود، ويمكن أن يكون وسيلة لإثراء الخط، خاصة في جذب فئات لا تميل إلى الشكل الكلاسيكي البحت. غير أن ذلك، برأيه، يجب أن يكون ضمن حدود واضحة تحافظ على ميزان الحرف وقواعده الأصيلة.
ويشير إلى أن الاستعانة بالحاسوب لتحسين صورة العمل أو إخراجه بصريًا قد تكون مقبولة، لكن الاعتماد الكامل عليه مرفوض، لأن الكتابة باليد تبقى إحساسًا حيًا يخرج من روح الخطاط ليشكّل لوحة متكاملة لا يمكن للآلة أن تعوّضها.
المعارض تمازج وخبرة وهوية
ويؤكد الجرابعة أهمية إقامة معارض الخط العربي، خصوصًا في الدول العربية والإسلامية، لما لها من دور في تبادل الخبرات بين الخطاطين، والتعرّف إلى المدارس الخطية والزخرفية المختلفة، إضافة إلى بعدها الثقافي والاقتصادي الذي يتيح للفنان الاستمرار في عطائه.
ويلفت إلى أن بعض الدول، مثل الإمارات، تشهد نهضة ثقافية واضحة في دعم الخطاطين، فيما باتت تركيا لاعبًا رئيسيًا في رعاية المسابقات والمعارض الخطية على المستوى الدولي. أما إقامة المعارض في الدول الأوروبية، فيراها ضرورة لنقل الحضارة العربية والإسلامية إلى الآخر، وتعريفه بهويتنا البصرية.
واقع الخط العربي اليوم
وحول واقع الخط العربي والتراث المخطوط، يرى الجرابعة أن هناك اهتمامًا متزايدًا في دول مثل مصر، والعراق، ولبنان، والأردن، والمغرب، والسعودية، ودول الخليج، حيث يعمل كثيرون على تطوير هذا الفن وإثرائه بما يخدم رسالته الجمالية والثقافية.
وأشار إلى أن وزارة الثقافة الأردنية تمثل ركيزة أساسية في هذا الجهد، من خلال دعم المدارس التعليمية للخط العربي، وإنشاء مراكز فنون في مختلف المدن، أسهمت في تخريج أجيال جديدة من الخطاطين، حيث جرى تخريج 18 طالبًا أتقنوا أربعة أنواع من الخطوط العربية، إضافة إلى أعداد أخرى ما تزال في طور التدريب.
تجربة شخصية ومسيرة
وعن بداياته، يقول الجرابعة إن معلم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية كان أول من اكتشف موهبته، حين كان يطلب منه الكتابة على السبورة أمام زملائه في دروس الخط، ما شكّل نقطة الانطلاق لمسيرته.
ويؤكد أن الخط العربي، في الوطن العربي عمومًا، لا يكفي وحده كمصدر دخل لمعظم الخطاطين، إذ يضطر كثيرون للعمل في مجالات أخرى إلى جانب الخط، رغم وجود حالات محدودة تباع فيها اللوحات بأسعار مرتفعة.
ويضيف أن طقوسه في الكتابة لا تزال وفية للأدوات التقليدية، مستخدمًا البوصة والمحبرة والحبر العربي، مخطوطًا الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والحِكم والعبارات ذات المعاني الإنسانية العميقة، متأثرًا بأساتذة كبار، يتقدمهم مثنى العبيدي ويعقوب شاوريه، فيما يعدّ الخطاط عباس البغدادي مثاله الأعلى.
دعم غائب ورسالة باقية
ويشير الجرابعة إلى أن الخطاط الأردني ما يزال يعاني من قلة الدعم الرسمي والخاص، فإقامة المعارض مكلفة، وغالبًا ما يُنظر إلى الخط العربي بوصفه فنًا هامشيًا، رغم قيمته الحضارية العالية.
وفي كلمته الأخيرة، يؤكد أن الخط العربي هو هوية وحضارة وثقافة، تتعرّف من خلالها الشعوب الأخرى علينا، داعيًا إلى الحفاظ على هذا الفن، وبذل كل ما يلزم لرفعته، لأنه طريق أصيل لإحياء الهوية العربية والإسلامية.
