يصل إلى عمّان في زيارة رسمية خلال الأيام المقبلة، وزير الخارجية الصيني وانغ يي، وهو شخصية دبلوماسية مؤثرة، ومن أبرز الشخصيات التي تولت هذا المنصب الرفيع في جمهورية الصين الشعبية. وتشير الزيارة في هذا التوقيت إلى الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها الأردن في سياسة الصين تجاه منطقة الشرق الأوسط، نظراً لتشابك الملفات الاقتصادية والسياسية في هذه المرحلة.
فالصين التي تعمل بدأب منذ نحو عقد من الزمان على استثمار النجاحات الاقتصادية الهائلة التي حققتها منذ إطلاقها سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، فأعلنت مشروعها الضخم “مبادرة الحزام والطريق” في عام 2013، ساعية لأن تصبح صاحبة أكبر اقتصاد في العالم قبل منتصف القرن الجاري، باتت تنظر لمنطقة الشرق الأوسط باهتمام متزايد خصوصاً منذ انعقاد القمة العربية الصينية في الرياض في ديسمبر من عام 2022، في وقت تبشّر بنهوض الجنوب العالمي على أساس الازدهار الاقتصادي وتوزيع ثمار التنمية بعدالة، وصولاً إلى بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.
كذلك تتمتع المنطقة العربية باهتمام الصين في هذه المرحلة عقب الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ اتخذت الصين موقفاً أخلاقياً ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، وتمسكت بحل الدولتين باعتباره الحل الدبلوماسي الممكن للصراع في المنطقة، ومنع تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، معتبرة المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية مقياساً حقيقياً لمدى عدالة النظام الدولي الحالي من عدمها.
هذا يعني أن خطوط التلاقي بين الأردن والصين في الملفات المختلفة تمنح هذه الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الصيني أهمية استثنائية، إذ يمكن من خلالها تنسيق المواقف السياسية، فضلاً عن توسيع آفاق التعاون الاقتصادي لصالح مزيد من الاستثمارات الصينية والتبادل التجاري بين الطرفين. ومن المؤكد أن الدبلوماسية الأردنية تحرص على استثمار هذه الزيارة لتعميق العلاقات الطيبة التي تربط عمّان وبكين.
كما تشهد العلاقات الأردنية الصينية خلال السنوات الأخيرة توسعاً في الملف الثقافي والتعليمي، إذ يجري بشكل واسع تبادل الوفود الثقافية بين البلدين، كذلك زيادة عدد الطلبة الأردنيين الذين يلتحقون بالجامعات الصينية، مقابل زيادة عدد الأردنيين الذين يُقبلون على تعلم اللغة الصينية، في وقت قالت وزارة التربية والتعليم الأردنية إنها تدرس إقرار تعليم اللغة الصينية في مدارسها. كذلك تشارك الصين بانتظام في معرض عمّان الدولي للكتاب، وهو المناسبة الثقافية السنوية الأبرز في المشهد الثقافي الأردني، ووقعت وزارتا الثقافة في البلدين اتفاقية لتبادل ترجمة ونشر الكتب الثقافية.
زيارة الوزير وانغ يي إلى الأردن، ضمن جولة تشمل الإمارات والسعودية، وهما الشريكان التجاريان الرئيسيان للصين في المنطقة العربية، يعكس أهمية الأردن بالنسبة للدبلوماسية الصينية، وهو أمر يمكن البناء عليه لتطوير العلاقات الأردنية مع الصين بما يقدم إضافات مهمة في المجالات الاقتصادية والتجارية من جهة، وفي الملفات السياسية الرئيسية لمنطقتنا من جهة ثانية.
