عروبة الإخباري – أطلق المنتدى العالمي للوسطية أمس نداء عمّان لاستنهاض الأمة، من خلال إيجاد معادلة توفيقية للتأصيل والتحديث في العلوم الشرعية، واستصحاب منظومة حقوق الإنسان في التعامل مع التنوع الديني، و”إحداث صحوة في عالم السنة توفق بين التطلع الإسلامي والمساواة في المواطنة وتقبل التعايش مع الآخر الصوفي والشيعي، وكذلك صحوة في عالم الشيعة توفق بين التطلع الإسلامي والمساواة في المواطنة وتقبل التعايش مع أهل السنة”.
جاء ذلك في ختام مؤتمر “دور الوسطية في مواجهة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والسلم العالمي” أمس في المركز الثقافي الملكي.
ودان المؤتمر سائر أشكال “الغلو والتطرف”، فيما أصدر خمسا وعشرين توصية موجهة للحكومات العربية والمؤسسات الدينية في المنطقة، في مقدمتها تشغيل فئة الشباب.
كما أوصى بإنشاء وحدة تنسيق في إطار منظمة التعاون الإسلامي، وتحييد المؤسسات الدينية عن “التوظيف السياسي”، وإدانة “إرهاب إسرائيل”، فيما أطلق رئيس المنتدى العالمي للوسطية راعي المؤتمر، الإمام الصادق المهدي، نداء “عمّان” لاستنهاض الأمة العربية والإسلامية.
وأوصى بضرورة عقد لقاءات تنسيقية بين الجهات المتخصصة في الأمة الإسلامية، لوضع خطط عملية تتصدى للفكر “المنحرف”، وتكوين وفود من العلماء والمتخصصين لزيارة البلدان المتضررة من الإرهاب ومقابلة مسؤوليها، وشرح الرؤية الإسلامية حول علاج هذه الظاهرة، مع أهمية التعاون مع الجامعات الإسلامية ومراكز البحوث، وإنشاء وحدة تنسيق بين المنظمات والمؤسسات الفكرية والدينية في إطار منظمة التعاون الإسلامي لمحاربة الإرهاب.
ودعا مشاركون في المؤتمر إلى عقد مصالحات مذهبية بين أصحاب المذاهب المختلفة، وإدانة “الإرهاب” بكل أشكاله.
ودعت توصيات المؤتمر التي توافق عليها المشاركون على مدار يومين من المناقشات، إلى اعتماد استراتيجية شاملة وفاعلة وموحدة وبجهد دولي منظم، بحيث يشرف عليها مجلس حكماء يتم تعيينه على مستوى العالم الإسلامي، مؤكدة أن “التطرف والغلو ليس له دين معين أو جنس أو جنسية أو منطقة جغرافية محددة”، وتأكيد أن “أي محاولة لربط التطرف والعنف والإرهاب بأي دين ستساعد في حقيقة الأمر الإرهابيين للوصول الى أهدافهم المشبوهة”.
كما دعت الأمم المتحدة لإصدار تشريع ملزم يُجرم ازدراء الأديان والأنبياء والرسل والكتب المقدسة.
كما خاطبت التوصيات، المؤسسات التربوية التعليمية والمؤسسات الدينية، في الأقطار الإسلامية بتضمين المفاهيم التعليمية الخاصة لمحاربة الإرهاب في المناهج؛ ونشر ثقافة الوسطية وقبول الآخر.
وأكد المؤتمر أن “الإرهاب لا يقتصر على الأفراد والجماعات، بل يمتد إلى إرهاب الدول، وفي مقدمة ذلك إرهاب العدو الصهيوني”، فيما أعرب عن قلقه من “تصاعد الاضطهاد ضد المسلمين والخلط بين المسلمين والإسلام كدين”، وتأكيد أن “المسلمين والمسيحيين في الشرق هم إخوة، ينتمون معا إلى حضارة واحدة وأمة إيمانية واحدة”.
وأشاد المؤتمر في توصياته، بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بلاغ مكة المكرمة، وبأسبوع الوئام بين الأديان، الذي تبناه الأردن، فيما تصدرت توصياته دعوة الحكومات العربية والإسلامية إلى الاهتمام بالشباب وبالشرائح الفقيرة والمهمشة.
ودعا المؤتمر وسائل الإعلام الغربية، إلى تجنب التشويه المتعمد لصورة الإسلام، ورفض الإساءة إلى دين الإسلام ونبيه – صلى الله عليه وسلم-، مؤكدا أن “مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والغزو الأجنبي مشروعة ولا تندرج تحت بند الإرهاب”.
وفيما دعا المؤتمرون إلى البحث بشكل عميق في الأسباب الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأسباب العنف والتطرف والإرهاب من أجل معالجتها، وتأكيد أهمية دور المرأة، شددوا على أهمية الإصلاح الشامل والتعددية السياسية.
وتضمنت التوصيات أيضا، “مواجهة انتشار المنابر الاعلامية التي تحض على الكراهية”، ودعوة المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، إلى “التعامل بموازين عادلة مع كافة القضايا الدولية”.
ودان المؤتمر بشدة الاعتداءات الإرهابية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيونية في الأراضي الفلسطينية، وبخاصة في القدس الشريف، والتي تستهدف الإنسان الفلسطيني المسلم والمسيحي على حد سواء، وناشد المؤتمرون المجتمع الدولي للتدخل بفاعلية ومسؤولية لوضع حد لهذه الاعتداءات الآثمة وإحالة مرتكبيها إلى محكمتي العدل والجنايات الدوليتين، باعتبار ذلك سبباً مهماً من أسباب إشعال المنطقة وإذكاء التطرف فيها.
وأوصى المؤتمر أيضا، بإنشاء وحدة لتدريب العاملين في مجال محاربة الإرهاب، والتنسيق مع مركز الحوار الدولي.
إلى ذلك، أطلق رئيس المنتدى نداء عمّان لاستنهاض الأمة، وتضمن عدة بنود، من أبرزها “ضرورة إيجاد معادلة توفيقية للتأصيل والتحديث في العلوم الشرعية، واستصحاب منظومة حقوق الإنسان في التعامل مع التنوع الديني، وإحداث صحوة في عالم السنة توفق بين التطلع الإسلامي والمساواة في المواطنة وتقبل التعايش مع الآخر الصوفي والشيعي، وكذلك صحوة في عالم الشيعة توفق بين التطلع الإسلامي والمساواة في المواطنة وتقبل التعايش مع أهل السنة”.
وتضمن النداء للأنظمة العربية، “تحقيق إصلاح شامل، وإقامة نظام حكم يحقق مبادئ السياسة الشرعية المتطابقة مع مبادئ الحكم الراشد، والاعتراف بمظالم المرأة، والتخطيط المبرمج لإزالتها”.
وأدرج رئيس المنتدى، رؤية تفصيلية في ما يتعلق بالتعايش الديني المطلوب، و”ضرورة إزالة الخلافات بين السنة والشيعة، بالاستناد إلى التزام أهل السنة برفض الطعن بالإمام علي بن طالب كرم الله وجهه، وكذلك اعتراف الشيعة بأن تسلسل الخلافة التاريخي واقع لا مجال لمراجعته، وعدم جواز سب الخلفاء الراشدين والصحابة الذين امتدحهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وللشيعة أن يعتقدوا ما يشاؤون حول ولاية الأمر، دون أن يلزموا الباقين بها، كما عليهم الاعتراف بمذاهب أهل السنة الفقهية”.
وشهد المؤتمر في يومه الأخير أمس، عقد ثلاث جلسات حوارية، ترأس الأولى منها رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري تحت عنوان “التطرف والإرهاب، مراجعات ومقاربات”، وتحدث فيها إضافة إلى الامام المهدي، العلامة الشيعي علي فضل الله، والدكتورة زكية ناصر من ليبيا، والدكتور عبد اللطيف هميم من العراق.
وشدد فضل الله في مداخلته، على ضرورة تحييد “لغة الخطاب المذهبي” في الصراعات السياسية الدائرة سواء في العراق أو سورية، قائلا إن هناك “استغلالا سياسيا لتذكية هذا الخطاب”.
ودعا فضل الله، إلى تجنب “محاكمة المذهب الشيعي وتعميم ما يصدر عن أتباعه من آراء”، قائلا إن “ما يحصل في العراق على سبيل المثال، هذا أمر لا يجب تعميمه، وأنه ضد أي ظلم في أي مكان”.
ورفض فضل الله، أية “إساءات بحق أمهات المؤمنين والصحابة”، داعيا العلماء إلى “الخروج من الحوار الشكلي إلى اللقاءات الصريحة في هذا الشأن”.
من جهتها، عرضت الدكتورة ناصر لأشكال الإرهاب والتطرف ضد المرأة، داعية إلى تعزيز الخطاب الديني الوسطي المؤكد على حرية المرأة في الإسلام اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، “خلافا ما هو موجود في البلاد الإسلامية من عادات وتقاليد”.
أما الدكتور الهميم، فاستعرض في مداخلته التي تحدث فيها عن الوضع الحالي للعراق، الأسباب المؤدية إلى التطرف، وفي مقدمتها “عجز الدولة عن القيام بوظائفها، والاستبداد السياسي، وعدم فهم مآلات الشريعة ومقاصدها”.
وفي الجلسة الثانية التي حملت عنوان “دور الوسطية في استقرار العالم الإسلامي” تحدث الدكتور محمد طلابي من حركة التوحيد والإصلاح في المغرب، والدكتور الخضر عبد الباقي من نيجيريا، والدكتور عبد المجيد النجار من تونس، إضافة إلى الأب رفعت بدر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في عمان، الذي تحدث عن دور المسيحيين في نهضة العالم العربي والإسلامي.
وفي السياق، رأى الدكتور الطلابي أن “الثورات العربية ما هي إلا الموجة الأولى”، قائلا إن “المرحلة المقبلة هي مرحلة التكتلات الديمغرافية الكبرى، وإن هناك صحوة دينية بدأت ملامحها تظهر”.
أما الدكتور عبد الباقي، فدان ما وصفه “خطاب التجريم من الحكومات العربية للمجتمعات”، قائلا إن الوسطية من شأنها أن “تقلل من نفوذ الأنظمة الحاكمة”.
وفي ورقة الدكتور النجار الذي تحدث عن “دور التربية الفكرية في محاربة التطرف”، دعا إلى إقرار خطة تربوية تعليمية قائمة في محتواها على علوم شرعية تأصيلية منهجية وعلوم إنسانية واقعية، وقائمة في منهجها على المدارسة الحوارية وعلى التعلّم الذاتي.
وفي ورقته، قدم الأب بدر، استعراضا لبعض أشكال التطرف الذي يمارس ضد المسيحيين العرب، داعيا إلى تكوين مجموعة فكرية وطنية مسلمة ومسيحية، من أجل تكوين صيغة عمل مستقبلية مشتركة تنبذ العنف والإرهاب، وتركز على المصطلحات التي يجب استخدامها في المرحلة المقبلة، وأهمها مرحلة المواطنة والمشاركة الحقيقية والمساواة.