حمل حديث سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في الطفيلة حول توثيق السردية الأردنية دعوة تمثل مشروعًا وطنيًا شاملاً يتجاوز التوثيق التاريخي البسيط ليكون أداة لتعزيز الهوية والمنعة الوطنية في مواجهة التحديات المعاصرة.
وقد جاء حديث سمو ولي العهد خلال لقائه بوجهاء وممثلين من محافظة الطفيلة، ولم يكن اللقاء منعزلاً، بل هو جزء من سلسلة زيارات تواصلية، مثل زيارة سموه السابقة لإربد لإعلان مشروع برنامج «خدمة العلم».
وخلال اللقاء الذي جرى في منطقة ضانا أشار سموه في كلمته إلى الدور التاريخي لأبناء الطفيلة، خاصة تضحياتهم في معارك الثورة العربية الكبرى، وشدد على أن عملية التوثيق يجب أن تكون مشتركة ويقوم بها أبناء وبنات الوطن ومؤسساته المختلفة، بهدف أن تصبح هذه السردية مرجعية موثوقة للأجيال المقبلة.
الرؤية من وراء هذا المشروع لا تقتصر على جمع الوقائع التاريخية، بل تتجه نحو أهداف أعمق أبرزها:
1 بناء وعي وطني متجدد: السردية ليست مجرد أحداث ماضية، بل هي «حكاية يعيشها الأردني يومياً»، تشمل قصص الناس في قراهم ومدنهم، ودور الجيش، والإنجازات في شتى المجالات. الهدف هو صنع فهم جماعي يعزز الانتماء ويصنع شخصية أردنية «أكثر قوة وحضوراً».
2 تعزيز المنعة الوطنية في الفضاء المعرفي: تأتي الدعوة في وقت تتعرض فيه الذاكرة العربية لحملات تشويه وتغيير مقصود. المشروع يهدف إلى ضمان رواية قصة الأردن كما عاشها أبناؤه، وليس كما قد تُروى أو تُحرّف في أماكن أخرى.
3 تمكين الشباب وإشراكهم: يُمنح الشباب دوراً محورياً في هذا المشروع، فهم «الأقدر على روايته» وامتلاك الأدوات والمساحات لتقديم سردية حديثة وصادقة. هذا يعكس رؤية تعول على الشباب في حمل الرواية الوطنية بثقة ومسؤولية.
4 توحيد الخطاب الوطني: السردية تسعى لبناء إطار معرفي وثقافي موحد، يجمع بين إرث الثورة العربية الكبرى ومراحل بناء الدولة الحديثة، ويقدم نموذجاً للأردن قائماً على الاعتدال والتماسك.
وفي إطار المضامين السياسية والوطنية الأوسع، يمتلك هذا المشروع مضامين مهمة على المستويين الداخلي والخارجي:
1 على الصعيد الداخلي: يحوّل الهوية من مفهوم نظري إلى مشروع عمل ملموس. كما يرسخ مبدأ اللامركزية في الثقافة والرواية، بإبراز دور المحافظات وأقاليمها، مثل الطفيلة، كركيزة أصيلة في بناء رواية الدولة.
2 على الصعيد الإقليمي والدولي: يُقدّم المشروع الأردن كقوة ناعمة، من خلال سردية تستند إلى قيم الاعتدال والتعددية والاستقرار. كما يؤكد على البعد الإنساني للأردن، من خلال تسليط الضوء على دوره التاريخي في استقبال اللاجئين، مما يجعل من سرديته «شهادة وطن على نفسه».
دعوة ولي العهد في الطفيلة ليست مجرد كلمات، بل هي إطلاق لمسعى استراتيجي. إنها محاولة لتحويل الرواية الوطنية من تاريخ يُحفظ في الكتب إلى حكاية حية تُبنى جماعياً، لتصنع وعي الجيل الحالي وتشكل مرجعية آمنة لأجيال المستقبل. هذا المشروع هو استثمار في الوعي والهوية كأداتين أساسيتين لضمان استمرار وديمومة الدولة في بيئة إقليمية مليئة بالتحديات.
