عروبة الإخباري –
ليس كل ثوبٍ يُرتدى على الجسد، فبعض الأثواب تُفصّل على الروح.
وثوبكِ يا لارا نون، أغلى من الحرير، وأثمن من اللقب، وأبهى من التتويج. هو ثوب نسجته أنفاس الصبر، ودموع السهر، ونبض الأم، ووهج الأنثى التي اختارت أن تمشي في الدرب الصعب لتصنع مجدها بيديها.
خمس سنوات لم تكن مجرّد فصول دراسة، بل كانت مواسم حرب، وانفجار، وليلٍ طويلٍ تسنده صلاة، وأمٌ تُذاكر والعالم نائم، وأطفالٌ يسألون: “ماما، ما رح تنامي؟”
كم من قلبٍ احتمل ليحيا الحلم! كم من إرادةٍ أنجبت هذا النور الأكاديمي الذي أضاء الجامعة اللبنانية، ورفع لواء المرأة اللبنانية المثابرة، تلك التي لا تُقاس إنجازاتها بعدد الشهادات، بل بعمق أثرها وصدق عطائها.
لقد جعلتِ من الدكتوراه نشيدًا للوطن المتعب، ومن إنجازك قصيدة أملٍ مكتوبة بحبر الكفاح.
وما أبهى المشهد حين تتلاقى مسيرتان عظيمتان:
زوجٌ يسلك طريق الكهنوت، وزوجةٌ تسلك درب العلم، يلتقيان على مفترق النور… هو يخدم الله بالروح، وأنتِ تخدمين الإنسانية بالعقل. فكم هو نادرٌ هذا التوأم بين الإيمان والفكر، بين الكنيسة والجامعة، بين المذبح والمنبر الأكاديمي.
لقد رفعتِ، يا دكتورة لارا، اسم الجامعة اللبنانية إلى مقام العز، حين نلتِ أعلى درجة “جيد جدًا” و”تنويه اللجنة” و”حق النشر”، فأصبحتِ سفيرةً للجدارة، وصوتًا علميًّا يُحاكي الضمير، ووجهًا مشرّفًا للمرأة الباحثة عن الحقيقة.
أما كلماتك في الشكر والعرفان، فقد كانت درّة أخلاقية لا تُقدّر بثمن.
شكركِ لأستاذك المشرف، سعادة النائب الدكتور إبراهيم الموسوي، لم يكن مجرّد عرفانٍ بالتوجيه العلمي، بل كان اعترافًا نادرًا بنُبل الإنسان قبل المنصب، وبأنّ من يصنع العقول، أعظم ممن يصنع الشعارات.
وشكركِ للدكتورة وفاء أبو شقرا كان أشبه باعترافٍ جميل بأنّ العلم لا يزدهر إلا حين يُسقى بماء المحبة، وأنّ المرأة العالمة يمكن أن تكون أمًّا، وأختًا، ومرشدةً في آنٍ واحد.
في كلماتك يا لارا، نبضٌ لا تُشبه أحدًا.
كأنكِ كتبتِ من قلب الأمّ، ولسان الباحثة، ووجدان الأنثى التي لم تسمح للظروف أن تُطفئ حلمها.
كنتِ تمشين على جمر الحياة، لكنكِ كنتِ تُنجبين الورد، وتزرعين الفرح في ركام الخراب، وتُعلّمين أبناءك أن العظمة لا تُورَّث، بل تُكتسب بعرق الروح ودم القلب.
ولأنّ الحياة لا تكتمل إلا بظلّ الأحبّة، خصصتِ سطورك الأخيرة لروح أخيك شربل، لتؤكدي أن الموت لا يسرق منّا من نحب، بل يحفظهم فينا على هيئة دعاءٍ دائم، ولمسة حنينٍ لا تزول.
لارا، لقد صنعتِ من الدكتوراه حكاية وطنٍ صغير، ومن الإنجاز نشيدًا يُروى للأجيال، ومن العلم صلاةً تُرفع إلى السماء.
أنتِ اليوم لا تحتفلين بلقبٍ أكاديميٍّ فحسب، بل تتوّجين رحلة امرأة آمنت بأنّ الحلم لا يموت، وأنّ الله لا يخذل من أحبّ العلم وأخلص للإنسانية.
بورك هذا الثوب الذي لبستِه…
ثوب العلم والكرامة والأمومة والمجد.
وبوركت يدُكِ التي خطّت أطروحةً من نور.
وبورك قلبكِ الذي علّمنا أن السموّ ليس في أن نصل، بل في أن نرتقي ونحن نحمل قلوب الآخرين معنا.
دمتِ يا لارا نون،
عنوانًا للفخر، وصوتًا للضوء، وامرأةً لبنانيةً تستحق أن تُصفّق لها السماء.
