«اللون في سكونه غياب، لا يتجاوز كونه مادةً مؤجلة، بلا حياة ولا معنى. في عزلته الصناعية، في هيئته الخام، يبقى محايداً، بلا فعل. وما أن يلمسه الخيال، حتى يبدأ في الانعتاق، كمن يخرج من صمته ليجرب النطق للمرة الأولى»…بهذه الكلمات يقدم الفنان غسان أبو لبن لمعرضه القادم في جاليري دار المشرق بعبدون، والذي يفتتح عند الخامسة من مساء الثلاثاء القادم تحت عنوان «تأملات في اللون والحركة».
الإصغاء إلى اللون
ويتابع أبو لبن عن تجربته الجديدة، وعلاقته كفنان باللون: يدي تنتشله من سباته، تمنحه مزاجاً ووجهاً، قلباً يخفق، وصوتاً يحتجّ أو يَصخَب. ومع كل حركة، يتقاطع مساره مع إرادتي؛ يعاندني حيناً ويطيعني حيناً، يقودني بقدر ما أحاول أن أقوده، يتمنّع عن الاكتمال كأنه يختبر صبري، ويكشف عن نفسه بقدْر ما يُوارب.
تعلّمت أن أصغي إليه، إلى تردّده حين يخشى التشكل، إلى مقاومته حين يرفض الحدود، إلى إيقاعه الخاص وهو ينزلق على السطح كما لو كان يَعزف موسيقى أدقُّ من حواسّي. أراه يختبرُ مقدرتي على التماهي مع الحضور والغياب حينما يولدُ ويهمس أبجديّته الأولى بين يديّ، وفي كل مرة يختبر حدسي في صياغة حكايته على امتداد الزمن البصريّ.
أبو لبن في سطور
ولد الناقد والتشكيلي غسان أبو لبن في مدينة بيت لحم عام 1964 واستقرت عائلته في الأردن بعد حرب النكسة عام 1967. درس المرحلة الابتدائية في عمّان، وتخرج عام 1987 في كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك، وبعد تخرجه، أقام أبو لبن معرضه الأول في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين. عمل كمحاضر متفرّغ في الجامعة الأردنية وفي عام 1994، طرح أبو لبن في معرض الصور الشخصية الذي أقامه في جاليري الفينيق.
يركز أبو لبن في لوحاته، منذ معرضه الأوّل، على الإنسان وبشكل خاص المرأة كعنصر رئيس في لوحاته ويميل إلى الضربات اللونية السريعة، يقول أبو لبن في مقابلة معه إنه «يركّز في جزء كبير من اللوحات المعروضة على تعبيرات الوجوه بتجريد يحمل شحنة عالية من اللون والتبسيط والاختزال»، لافتاً إلى أنه «يعتمد على شكل جديد متعدّد السطوح مشغول على خشب بشكل صندوق معلّق يمثّل قرى ومناظر طبيعية في الأردن».
ويقول أبو لبن في مقابلة أخرى معه إلى أن «ما تختزنه الذاكرة من مشاهدات بصريّة أو انفعالات أو تأملات يتشابك مع مفردات جديدة تتراكم على مراحل زمنيّة متفاوتة ويصبح سطح اللوحة مجالاً لتقاطعات متعدّدة الطبقات، بحيث يتجرّد المألوف ليكون أكثر نقاءً في قيمة اللون وبعيداً عن التعريف في مرجعيّته الواقعيّة، وذلك نتيجة للتماهي بين جميع العناصر في محتوى التفاعل الذي تنشأ منه اللوحة، فمشروع أية لوحة ربما يولد قبل تنفيذها بسنوات أو ربما بلحظات لكنه يمتد في جذر الذاكرة معيداً صياغة تفاصيل سابقة ولاحقة معاً».
