عروبة الإخباري –
في زمنٍ يزدحمُ بالضجيج وتغيب فيه المعاني خلف بريقٍ زائف، تخرج صباح بشير من بين سطور القدس والجليل، تحمل قلمًا يشبه نافذةً تطلّ على الذات، وتفتح في الوعي مسارب ضوءٍ تُذكّر القارئ بأن الأدب ليس ترفًا، بل هو فعلُ وجودٍ ومقاومةٍ وجمال.
هي ابنةُ الأرض التي تفيضُ تاريخًا ووجعًا وحنينًا، كاتبةٌ وناقدةٌ تُحسنُ الإصغاء لنبض الإنسان، ثمّ تصوغه بحبرٍ رائقٍ يلمع كالماء على صخرٍ مقدسيّ قديم. درست علوم المجتمع والثقافة، واغتسلت بأفق البحث والمعرفة، لكنّها اختارت أن تُقيم في حديقة الأدب، حيث الكلمة حياةٌ ثانية، وحيث السردُ أداةٌ لفهم الذات وتعرية الواقع.

الرواية: رحلةٌ في دروب الروح
في روايتها “رحلة إلى ذات امرأة”، نلمحُ ملامح اعترافٍ وجودي، وسيرةً متشظّية تنسجها أنثى تبحث عن حقيقتها بين جدران العادات وأسئلة الحريّة. ليست الرواية مجرّد حكاية، بل هي مرآةٌ تعكسُ تجاعيد الروح، وصرخةٌ أنثوية تُعيد الاعتبار لحقّ المرأة في أن تحكي قصّتها بجرأة وشفافية.
النقد: قراءةٌ تفتح أبواب النصوص
لم تكتفِ بشير بأن تكون راويةً لحكاياتها، بل حملت مسؤولية إضاءة النصوص الأدبية للآخرين. في كتبها النقدية مثل “شذرات نقدية” و**”نفحات من النقد”**، تمارس قراءةً تتجاوز البلاغة إلى تفكيك السياق، تُنصت للنصوص بوعيٍ ثقافي وتاريخي، وتضع القارئ أمام طبقاتٍ من المعاني المستترة.
ومع أسلوبها النقدي شفيفٌ، بعيدٌ عن التكلّف الأكاديمي الجاف، لكنه في الوقت ذاته عميق، مُثقل بالمعرفة، مغموس بالحسّ الإنساني. وكأنّها تُمسك النصّ بيدٍ ناقدة وأخرى شاعرة، فتجمع بين الدقّة التحليلية واللمسة الوجدانية.
الحضور الثقافي والإنساني
لا تنحصر صباح بشير، في الكتب، فهي حاضرة في الفضاء الثقافي الفلسطيني والعربي: محاضرةً، مُحاورةً، وناشطةً في نادي حيفا الثقافي، تحمل الوعي إلى المنابر، وتجعل من الأدب جسرًا بين القلوب والعقول. كما عملت في مؤسسات اجتماعية تُعنى بالمرأة، لتؤكّد أن رسالتها ليست حبرًا على الورق فقط، بل فعلًا على أرض الواقع.
ختاماً، الكاتبة صباح بشير، هي صوتٌ أنثويٌ حرّ يكتب ليحفظ الذاكرة من التلاشي، وليفتح للإنسان نافذةً على ذاته وعلى قضيّته. أدبها أشبه بحديقةٍ مقدسية، فيها شجرُ زيتونٍ يشيخ ولا يشيخ، وفيها ياسمينٌ يظلّ عطره شاهدًا على أنّ الكلمة قادرةٌ على مقاومة النسيان، وعلى منحنا حياةً أجمل، وأصدق.
