في عالم تتزاحم فيه المسؤوليات وتتقاطع الأولويات، تختلف صورة الأب من بيت إلى آخر، ومن طفل إلى آخر. فبينما يقف أبٌ في وجه الحياة بكل تحدياتها، يحمل على كتفيه تعب السنين لأجل مستقبل أبنائه، نجد آخر لا يبالي إلا بنفسه، يسلب أولاده حتى راحة البال، غارقًا في أنانيته، متغافلًا عن أثر غيابه العاطفي، وإن كان حاضرًا جسدًا.
وما بين هذا وذاك، أبٌ ثالث يحسب أنه قدّم كل شيء ما دام قد دفع الثمن ماديًا. يظن أن الحنان يُعوّض بالهدايا، وأن العناق يُستبدل برصيد بنكي. بينما يقف أطفاله في الزاوية، يتمنون كلمة طيبة، أو لمسة حنان، أو حتى نظرة اهتمام.
إن الأبوة الحقيقية لا تُقاس بعدد الساعات في العمل، ولا بكثرة ما يُنفق من المال. بل هي موقف… وشعور… واحتواء.
إنها أن تكون سندًا حين يتعثر طفلك، وأمانًا حين يخاف، وصوتًا هادئًا يطمئنه حين تضجّ الحياة حوله.
هي أن تشاركهم أحلامهم، وتُصغي لهم وكأنهم العالم كله، حتى لو كانوا لا يزالون يتهجون أولى كلماتهم.
في زمن أصبحت فيه الصورة العائلية مبتورة، والأدوار الأبوية مشوشة، نحن بأمسّ الحاجة إلى إعادة تعريف “الأبوة”. ليس من خلال ما نقدمه لهم فقط، بل بما نكونه لهم. أن نكون الآباء الذين يُفتخر بهم، لا الذين يُشتكى منهم.
فلنقف لحظة… ولننظر في أعين أطفالنا، هل نحن الآباء الذين يحتاجونهم؟
أم أننا فقط من نُسمى “أبًا” على الورق؟
الأبوة ليست سلطة… إنها رسالة.
وليست تضحية فقط… بل توازن بين العطاء والاحتواء.
فكن لطفلك أبًا… قبل أن يبحث عن “البديل” في الحياة أو في داخله.
