دانيال وارنر* – (كاونتربنش) –
تركّز الذكرى الثمانون للأمم المتحدة على المحاولات المبذولة لإحياء المنظمة. ولا يمكن اعتبار “مبادرة الأمم المتحدة 80” (UN80)، التي تم إطلاقها في مطلع 2025 احتفالًا بانتصار الوصول إلى سن الثمانين، بقدر ما هي محاولة جدية لإعادة صياغة منظمة تبدو وكأنها تعيش في العناية المركزة على أجهزة الإنعاش.
* * *
وسط الضجيج المحيط باغتيال تشارلي كيرك، والطائرات المسيّرة الروسية المهدِّدة في بولندا، والإبادة الجماعية التي أصبحت مؤكدة الآن في غزة على يد إسرائيل التي تعتدي على جيرانها، هل يستحق الأمر التحدث عن الذكرى الثمانين للأمم المتحدة؟ على نحو يناقض البديهة، ربما يكون الآن هو الوقت المناسب بالضبط لفعل هذا. الدعوات إلى وقف إطلاق النار والحلول السلمية للنزاعات بين الدول تشبه الدعوات الأميركية إلى نزع الاستقطاب واللجوء إلى الحوار. ويعكس إخفاق الأمم المتحدة في ضمان السلم والأمن الدوليين إخفاقات السياسة الداخلية الأميركية في ترسيخ حوار حضاري وحقوق إنسان كاملة للجميع. في أحسن الأحوال، تشكّل الذكرى الثمانون للأمم المتحدة تذكيرًا مناسبًا بقيم تتجاوز النزعات القومية المضللة، والولاءات القبلية، والعنف الوحشي. ينبغي أن تكون الأمم المتحدة فخورة بأنها صمدت وعاشت أكثر من “عصبة الأمم”، التي لم يتجاوز عمرها 26 عامًا، لكنها ينبغي أن تكون في الوقت نفسه واعية لفكرة أنه كما أن عمر الثمانين حرج للأفراد، فإن الذكرى الثمانين للأمم المتحدة حاسمة أيضًا لبقائها ذات صلة.
الذكرى الثمانون للأمم المتحدة
تركّز الذكرى الثمانون للأمم المتحدة على المحاولات المبذولة لإحياء المنظمة. ولا يمكن اعتبار “مبادرة الأمم المتحدة 80” (UN80)، التي تم إطلاقها في مطلع 2025 احتفالًا بانتصار الوصول إلى سن الثمانين، بقدر ما هي محاولة جدية لإعادة صياغة منظمة تبدو وكأنها تعيش في العناية المركزة على أجهزة الإنعاش. والمؤسسات، كما الأفراد، في حاجة إلى تجديد دائم للطاقة، وعمر الثمانين لحظة مفصلية بلا شك. رسميًا، وبحسب بيان صحفي صادر عن “الأمم المتحدة” في آذار (مارس) 2025، فإن “مبادرة الأمم المتحدة 80” تبني على الجهود الجارية، بما فيها “ميثاق المستقبل” و”الأمم المتحدة 2.0″، التي تهدف إلى تحديث هياكل الأمم المتحدة وأولوياتها وعملياتها لتتلاءم مع معطيات القرن الحادي والعشرين”. وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن المبادرة “تسعى إلى تطوير مقترحات في ثلاثة مجالات رئيسية: تحديد الكفاءات وإجراء التحسينات؛ ومراجعة تنفيذ الولايات والتفويضات الصادرة من الدول الأعضاء؛ وإجراء مراجعة استراتيجية للتغييرات الأعمق والأكثر بنيوية وإعادة مواءمة البرامج”.
كما في أي مؤسسة خاصة، تبدأ أولويات إعادة صياغة المؤسسة العامة -الأمم المتحدة- بالدولارات والسنتات. أولًا وقبل كل شيء، تمر الأمم المتحدة بأزمة مالية. وكما قال غوتيريش، فإنه “على مدى السنوات السبع الماضية على الأقل، واجهت الأمم المتحدة أزمة سيولة لأنه ليس جميع الدول الأعضاء تدفع كامل التزاماتها، والكثير منها لا تدفع في الوقت المحدد”. وحتى 11 آذار (مارس) 2025، كما أشار البيان الصحفي، كانت “75 فقط من أصل 193 دولة عضوًا قد دفعت كامل مساهماتها المقدَّرة ضمن ميزانية المنظمة للعام 2025 بمبلغ 3.72 مليار دولار”.
وإذن، باعتبار أنها تفتقر إلى السيولة، وغير قادرة على أداء وظيفتها الأساسية المتمثلة في ضمان السلم والأمن في الشرق الأوسط وأوكرانيا، لماذا لا ينبغي أن تلحق الأمم المتحدة بسابقتها قصيرة العمر، “عصبة الأمم”؟
إعلان قبل الأوان عن وفاة الأمم المتحدة
ولكن، ليس كل شيء ينبغي أن يكون سلبيًا عند بلوغ عمر الثمانين. في مقابلة مع جورج أبي صعب، الخبير القانوني البارز، والأستاذ الجامعي والقاضي السابق، وصديق الكثير من الأمناء العامين للأمم المتحدة، قدم لي ثلاث رؤى متفائلة:
1. لاحظ أبي صعب: “الأمم المتحدة هي المنتدى الكوني الوحيد الذي يمكنه التعبير عن الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي وإضفاء الشرعية عليها”. وعلى سبيل المثال، تمكن قرار مجلس الأمن الذي تمت عرقلته بـ(الفيتو) من إدانة الضربة الأخيرة على عاصمة قطر، الدوحة، حتى لو أنه لم يذكر إسرائيل بالاسم. لقد اتفق جميع الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن. وذكر أبي صعب أن تجاوز العرقلة التي تحدث في مجلس الأمن ممكن بوسائل أخرى، مثل قرار “الاتحاد من أجل السلام” الخاص بالجمعية العامة كما وصفه ريتشارد فولك في مقابلة مع دانيال فالكون. (الأمم المتحدة يجب أن تتحرك في غزة بموجب قرار ’الاتحاد من أجل السلام‘). وقد مُنحت إسرائيل مهلة حتى 18 أيلول (سبتمبر) 2025 للامتثال للرأي الاستشاري الصادر عن “محكمة العدل الدولية” القاضي بانسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتفكيك مستوطناتها، وإجلاء مستوطنيها. وإذا لم تمتثل إسرائيل، وهو ما يحصل على الأغلب، يمكن للجمعية العامة أن تنفّذ إجراءات عدة استنادًا إلى سوابق تاريخية. يمكنها، على سبيل المثال، نشر بعثة لحفظ السلام أو قوة لحماية المدنيين؛ وتنشر الأمم المتحدة مُسبقًا 60.000 جندي لحفظ السلام حول العالم.
2. لاحظ أبي صعب أنه “لا ينبغي أن ينحصر الحديث عن نجاحات وإخفاقات الأمم المتحدة في السلام والأمن”. وأكد أن “الاهتمام يجب أن يُوجَّه أيضًا إلى وكالاتها المتخصصة الفرعية، مثل تلك التي تعنى بالبيئة”. في الآونة الأخيرة، أقامت “منظمة التجارة العالمية” احتفالًا بمناسبة دخول اتفاقية تجارية للحد من دعم الصيد الجائر في البحار حيز التنفيذ. وكان لا بد من أن تصادق ثلثا الدول الأعضاء على الاتفاقية حتى تدخل حيز التنفيذ، وهو انتصار مهم للبيئة ولتعددية الأطراف. (كان أبي صعب أيضًا رئيسًا سابقًا لهيئة الاستئناف في تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية).
3. ولاحظ أبي صعب أيضًا: “هناك مؤشرات على وجود مقاومة لنزعة دونالد ترامب المعادية لتعددية الأطراف، وأدلة على وجود ائتلاف من الراغبين في مواجهته”. وشرح أن “منظمة شنغهاي للتعاون” ليست بنية بديلة متعددة الأطراف تحل محل الأمم المتحدة؛ وأن الصين معنية بعلاقات خارجية سلسة بين الدول ضمن منظومة الأمم المتحدة، بينما تعارض الانتقادات الداخلية القادمة من هيئات مثل “مجلس حقوق الإنسان”. وبحسب أبي صعب، تهدف “منظمة شنغهاي للتعاون” إلى إنشاء نظام بديل للتعاملات المالية والمدفوعات خارج إطار الدولار أكثر مما تسعى إلى استبدال منظومة الأمم المتحدة كلها.
تجديد الأمم المتحدة والولايات المتحدة؟
هل يشبه عجز الأمم المتحدة عن تنفيذ كثير من مبادئها التوجيهية الإخفاقات داخل الولايات المتحدة نفسها؟ أين الإحساس بالجماعة أو “الخير المشترك” دوليًا وداخليًا؟ بينما يشتكي الناس من الشعبوية/ القومية/ الانعزالية المتجددة التي تعيق التعاون الدولي، يعكس اغتيال تشارلي كيرك أيضًا غيابَ حوار جدي عبر الطيف السياسي الأميركي. ثمة أوجه تشابه واضحة بين تعطّل التعاون الدولي والانقسام داخل الولايات المتحدة. ويبقى التفاوض والتسوية ضروريين بين الدول كما هما بين الأفراد.
في خطابه في غيتيسبرغ بولاية بنسلفانيا في العام 1863، بعد معركة غيتيسبرغ خلال الحرب الأهلية الأميركية، تحدث الرئيس أبراهام لنكولن عن إمكانيات التجديد الأميركي. بعد مرور “سبعة وثمانين عامًا” على تأسيس الولايات المتحدة في ذلك الحين، أشار لنكولن إلى “حكومة الشعب، من الشعب، وللشعب”. وتبدأ ديباجة ميثاق الأمم المتحدة بكلمات “نحن شعوب الأمم المتحدة”. كما شدد لنكولن على الشعب، بدأت الديباجة بالشعوب. وإذا كان لنكولن قد قال إن “هذه الأمة… ستعرف ميلادًا جديدًا للحرية” بعد نحو ثمانين عامًا من “إنشائها” على يد الآباء المؤسسين، فإن “مبادرة الأمم المتحدة 80” تحاول أن تمنح المنظمة الدولية الوحيدة متعددة الحكومات ميلادًا جديدًا للحرية أيضًا. وعندما قال لنكولن إن “هذه الحكومة… لن تفنى عن وجه الأرض”، هل يمكن أن يقال الشيء نفسه عن الأمم المتحدة؟ في 57 بلدًا/ منطقة فقط حول العالم هناك متوسط عمر متوقع للناس يتجاوز الثمانين عامًا. فهل سيكون للأمم المتحدة متوسط عمر متوقع -وأن تكون في الوقت نفسه ذات صلة- بعد الثمانين؟
*دانيال وارنر Daniel Warner: أكاديمي وباحث في العلاقات الدولية، عُرف بإسهاماته في مجالات الفكر السياسي والأخلاقيات في السياسة العالمية. عمل أستاذًا ومحاضرًا في عدد من الجامعات والمعاهد المتخصصة، كما شغل مناصب بحثية وإدارية في مؤسسات فكرية ودبلوماسية دولية، لا سيما في جنيف حيث ارتبط بمراكز أبحاث تُعنى بالحوكمة العالمية والعلاقات المتعددة الأطراف. وهو مؤلف كتاب “مسؤولية أخلاقية في العلاقات الدولية” An Ethic of Responsibility in International Relations الذي يناقش فيه مفهوم المسؤولية الأخلاقية في إطار العلاقات الدولية، بالإضافة إلى نشره مقالات ودراسات عديدة تتناول الديمقراطية، العولمة، ودور القانون الدولي في إدارة النزاعات.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The UN Turns 80, a Critical Age for People and the UN’s Relevance
