عروبة الإخباري –
تواصل الإعلامية نوال الأشقر، تألقها في كل إطلالة تلفزيونية، حيث تثبت مرة بعد مرة أنها من القامات الإعلامية التي تمتلك قوة الحضور ورصانة الطرح وجرأة السؤال، وفي برنامج لبنان اليوم، على شاشة تلفزيون لبنان، استضافت الأشقر خبير المخاطر المصرفية والباحث في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور محمد فحيلي، في حلقة غنية بالمعطيات حول المشهد الاقتصادي والمالي في لبنان.
الودائع بين الحقيقة والوهم
فتح الحوار بملف الودائع المصرفية، وهو الجرح الأكبر في جسد اللبنانيين منذ 2019. أشار د. فحيلي إلى أن مكان الودائع الطبيعي هو في الحسابات المصرفية، حيث تشكل الوقود الأساسي للنشاط الاقتصادي. أما السحب الكلي والسياسات الاعتباطية، فهي وصفات قاتلة للاقتصاد. برأيه، المطلوب ليس فقط “رد الأموال”، بل إعادة بناء الثقة وطمأنة المودع بأن وديعته مصانة وتبقى في خدمة تمويل التعليم، الصحة، والاستهلاك.
المصارف والإنكار المزمن
انتقد فحيلي المصارف اللبنانية بشدة، معتبراً أنها لا تزال في حالة إنكار، فبدلاً من اتخاذ خطوات شفافة لإعادة الثقة، لجأت إلى فرض عمولات مجحفة على حسابات مجمدة، بل واستفادت من التعاميم بشكل استنسابي. وأوضح أن المصارف فشلت في التواصل الإيجابي مع عملائها، ما زاد الشرخ وانعدام الثقة.
أين الدولة والرقابة؟
توقف الحوار عند غياب الهيئات الرقابية منذ 2017، حيث لم تتحرك لجنة الرقابة على المصارف ولا مصرف لبنان ولا حتى القضاء لحماية حقوق المودعين. فبينما قُيّدت السحوبات الداخلية، تم دفع استحقاقات خارجية كاملة مثل اليوروبوندز، ما كشف عن ازدواجية في الأولويات.
الأثر الاجتماعي للأزمة
أكد د. فحيلي أن المأساة لم تعد مالية فحسب، بل اجتماعية وإنسانية. فالأموال المحتجزة حرمت آلاف العائلات من تعليم أولادها، والرعاية الصحية، وحتى المعيشة الكريمة. كما أجبرت مؤسسات صغيرة ومتوسطة على الإقفال، ما ضاعف نسب البطالة والفقر وأنتج ضغوطات نفسية هائلة على اللبنانيين.
أزمة سياسية قبل أن تكون اقتصادية
ورأى فحيلي أن الأداء السياسي العاجز والمماطل هو أصل الكارثة، مشيراً إلى توصيف البنك الدولي لما يجري بـ”الكساد المتعمد”. فمشاريع القوانين الإصلاحية من كابيتال كونترول إلى إصلاح المصارف بقيت رهينة الأدراج أو بلا مراسيم تنفيذية، لأن المنظومة السياسية تفضّل الحفاظ على الزبائنية لا بناء دولة المؤسسات.
مرة جديدة، أثبتت نوال الأشقر قدرتها على إدارة حوار جريء وشفاف، فطرحت الأسئلة التي تشغل بال اللبنانيين بلا مواربة، وفسحت المجال لضيفها أن يقدم قراءة معمّقة تضع الأصبع على الجرح.
حلقة لبنان اليوم، كانت شهادة موثقة على حجم الأزمة، ودعوة صريحة إلى مكاشفة ومصارحة طال انتظارها.
