رأينا –
في لحظة مفصلية من تاريخ أمتنا، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني في القمة العربية والاسلامية الطارئة التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة أمس، ليضع النقاط على الحروف، وليؤكد أن زمن المواربة قد انتهى، وأن الردع هو الكلمة الفصل في مواجهة التمادي الإسرائيلي التي لم تعد تعرف حدوداً.
الرسالة الأولى التي حملتها كلمة جلالته واضحة وضوح الشمس: أمن قطر من أمن الأردن، واستقرارها من استقرارنا، والدعم لها مطلق لا لبس فيه. هذا الموقف ليس جديداً على الأردن، بل هو امتداد لإرث طويل من الوقوف مع الأشقاء متى تعرضوا لأي عدوان، وترجمة عملية لقيم التضامن العربي التي لطالما حملتها عمّان قولاً وفعلاً.
غير أن جلالته لم يكتفِ بإدانة العدوان على قطر، بل أعاد تذكير العالم بالوحشية الإسرائيلية التي طالت غزة على مدى عامين، قتلاً وتجويعاً وخرقاً للقوانين الدولية وكل القيم الإنسانية، مذكّراً في الوقت نفسه بأن الضفة الغربية ليست خارج مرمى هذا التمادي، وأن الحل السياسي القائم على الدولتين يُنسَف اليوم على يد حكومة متطرفة لا تؤمن إلا بالهيمنة. وهي الحكومة نفسها التي تواصل تهديد لبنان وسوريا، وها هي اليوم تعتدي على سيادة قطر وأمنها.
إن دعوة الملك إلى مراجعة أدوات العمل العربي والإسلامي المشترك لم تأتِ من فراغ، بل من إدراك عميق بأن إسرائيل تستمد جرأتها من صمت المجتمع الدولي الذي سمح لها أن تكون فوق القانون، ومن دعم قوى كبرى تغض الطرف عن جرائمها. لذلك فإن المراجعة تعني تفعيل أدوات الردع والتضامن، وجعل الموقف العربي والإسلامي قوة قادرة على كبح هذا التغول.
ولعل الفقرة الأكثر عمقاً في خطاب جلالته هي التي شدد فيها على أن القمة يجب أن تخرج بـقرارات عملية، لا أن تكتفي بالاستنكار. قرارات توقف الحرب على غزة، وتمنع تهجير الشعب الفلسطيني، وتحمي القدس ومقدساتها، وتصون أمننا المشترك ومصالح شعوبنا ومستقبلها. هذه هي العناوين الكبرى التي تعكس جوهر ما تطمح إليه الجماهير العربية والإسلامية، وما يضع أمام القادة مسؤولية تاريخية لا تحتمل التأجيل.
أما الجملة المحورية التي تختصر الخطاب كله فهي قوله: «ردّنا يجب أن يكون واضحاً، حاسماً، ورادعاً». هنا تتجلى البلاغة السياسية في أوجها: وضوح في الموقف، حسم في القرار، وردع يضع حداً لتمادي إسرائيل ويعيد الاعتبار لحقوق شعوبنا. هذه الكلمات الثلاث ليست مجرد توصيف بل برنامج عمل، يفتح الباب أمام مروحة واسعة من الخيارات سياسية وعسكرية واقتصادية تعيد للمنطقة هيبتها.
لقد قال الملك بلسان الأمة: الكلام وحده لم يعد يجدي، وزمن الأفعال قد آن. والأردن كان – منذ السابع من أكتوبر – في مقدمة من ترجموا القول إلى فعل: مساعدات، إنزالات جوية، مستشفيات ميدانية، ومواقف دبلوماسية قلبت المعادلات وأسقطت كثيراً من الروايات المضللة. واليوم، يضيف جلالته لبنة جديدة في هذا البناء، بإرسال رسالة حاسمة: أن الردع هو السبيل الوحيد لوقف هذا التهديد الذي لا يعرف حدوداً.
إنها كلمة تختصر الموقف وتضيء الطريق، وتضع أمام الدول العربية والإسلامية امتحاناً تاريخياً: إما أن تكون قراراتها بمستوى هذا التحدي، أو أن تترك المنطقة لمخاطر داهمة.
