عروبة الإخباري –
في 10 أيلول 2025، قدّم وزير العلاقات والتعاون الدولي في جنوب أفريقيا، رونالد لامولا، بياناً أمام لجنتين برلمانيتين، تناول فيها تفاصيل الدعوى التي رفعتها بلاده ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
استندت خلفية الدعوى على أنّ رد إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر 2023 كان غير متناسب، وقد تزامن ذلك مع سلوك يتسم بطابع إبادي متزايد، واستهداف ممنهج للبنية التحتية المدنية الحيوية.
هذا ما دفع جنوب أفريقيا لرفع دعوى بتاريخ 29 كانون أول 2023، انطلاقاً من التزاماتها بموجب المادة التاسعة من اتفاقية منع الإبادة الجماعية، الموقعة عليها.
اتهمت جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب إبادة وانتهاكات في غزة، كما طلبت من المحكمة إصدار تدابير مؤقتة، نظراً للوضع الإنساني الخطير.
شدّد الوزير لامولا على أنّ موقف بلاده ينبع من التزامها الدستوري والأخلاقي بالقانون الدولي، وليس من اعتبارات سياسية أو شعبوية. وأكّد على اختيار جنوب أفريقيا الوقوف إلى جانب الأغلبية العالمية الرافضة للانتهاكات، والداعية إلى احترام سيادة القانون. وأشار إلى أنّ النظام القانوني العالمي يتعرض لهجوم، وأنّ الصمت الدولي أمام ما يحدث في غزة يطرح تساؤلات أخلاقية وقانونية عميقة. من بين هذه التساؤلات: هل تُعتبر حياة الفلسطينيين أقل قيمة، وهل لا تزال الأيديولوجيات الاستعمارية القديمة تحدّد من يستحق الحماية بموجب القانون الدولي؟
وقد أشار البيان إلى تقارير دولية أقرّت بالدمار الممنهج للبنية الصحية في غزة، من أبرزها تقرير المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق بالرعاية الصحية، والتي وصفت ما يحدث بأنه “إبادة صحية” أو “قتل طبي”، أيّ استخدام القوة العسكرية لتدمير الرعاية الصحية بشكل منهجي.
كما أشار إلى أنّ منظمات حقوقية إسرائيلية، مثل “بتسيلم” و”أطباء من أجل حقوق الإنسان”، أكّدت هذه النتائج، وهو ما يعزّز مصداقية الدعوى أمام المحكمة.
ذكر بيان الوزير أيضاً بأنّ جنوب أفريقيا شاركت بتأسيس “مجموعة لاهاي” الهادفة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، ودعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، ويشمل ذلك الحق بتقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
كما شاركت جنوب افريقيا باجتماعات دولية، من بينها اجتماعات بوغوتا، الذي شاركت به ثلاثون دولة، وقد هدف الاجتماع لتوحيد الجهود نحو وقف إطلاق النار، والشروع بمفاوضات سلام عادلة.
في ختام بيانه الذي اعتمد على سرد وقائعي مدعوم بالأدلة، أكّد الوزير أنّ بلاده ستواصل الدعوة إلى حل الدولتين، وشدّد على أهمية إزالة جميع العقبات التي تعترض هذا الحل، بما فيها وقف الاستيطان، إزالة الجدار الفاصل، الإفراج عن الرهائن والسجناء السياسيين، واستئناف جهود الإغاثة وإعادة إعمار غزة.
يمثّل ما جاء في البيان جوهر موقف جنوب أفريقيا من عدة جوانب، أبرزها الدفاع عن القانون الدولي، ورفض الاستثناءات، والمطالبة بالعدالة المتساوية لجميع الشعوب. فهو لا يُعد مجرد وثيقة سياسية، بل يشكّل صرخة قانونية وأخلاقية بوجه العالمٍ، تعبّر عن التزام مبدئي بمواجهة الانتهاكات الجسيمة. ويأتي هذا الموقف في وقت تتزايد فيه التحدّيات أمام النظام الدولي، وتبرز فيه القضية الفلسطينية كاختبار حقيقي لمدى التزام المجتمع الدولي بمبادئه المعلنة.
في زمن تتآكل فيه القيم، تذكّرنا جنوب أفريقيا أنّ العدالة لا يجب أن تكون انتقائية، وأنّ القانون الدولي إما أن يُطبّق على الجميع، أو يفقد شرعيته بالكامل. فهل ستصغي محكمة العدل الدولية؟ أم سيبقى صوت جنوب أفريقيا مجرد صدى في قاعة المحكمة، أم بداية لتحول عالمي في مساءلة الدول وإعادة تعريف حدود العدالة الدولية
