Table of Contents
عروبة الإخباري –
لم يعد خافياً على أحد أنّ الاحتلال الإسرائيلي بات تتعامل مع القانون الدولي وكأنه مجرّد ورق بالٍ لا يساوي شيئاً، وأنّها تمارس عربدة عسكرية بلا قيود ولا رادع. فحادثة استهداف قوات اليونيفيل بطائرات مسيّرة قرب بلدة مروحين الجنوبية ليست مجرد تجاوز ميداني عابر، بل جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى: جريمة ضد قوات أممية جاءت تحت راية السلام، وجريمة ضد الشرعية الدولية التي زُعم أنها الحَكَم والضامن لوقف الأعمال العدائية.
أي رسالة تريد إسرائيل إيصالها؟
حين تُلقى أربع قنابل على مسافة أمتار معدودة من جنود حفظ سلام، رغم إبلاغ جيش الإسرائيلي مسبقاً بوجودهم ومهامهم، فإنّ الرسالة لا تحتاج إلى كثير تفسير: استهزاء متعمّد بالأمم المتحدة، واستخفاف بحياة أفرادها، وتحدٍ فجّ لقرارات مجلس الأمن. إسرائيل تقول عملياً إنها لا تعترف إلا بمنطق القوة، وأن لا حصانة حتى للقوات الدولية ما دامت تقف في طريقها أو تكشف ممارساتها.
استهداف الأمم المتحدة… لا لبنان وحده
المستهدَف هنا ليس لبنان وحده، ولا حتى الخط الأزرق فقط، بل الأمم المتحدة نفسها. فحين يُهاجَم جنودها، تُهان هيبتها أمام العالم، ويُضرب في الصميم جوهر وجودها. كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يطالب الشعوب باحترام الشرعية الدولية إذا كانت بعثاته الأممية تتحول إلى أهداف؟ وكيف يمكن الحديث عن “ردع” أو “توازن” إذا كانت إسرائيل قادرة على قصف قوات أممية أمام مرأى ومسمع العالم دون أن يرفّ لها جفن؟
ازدواجية المعايير الصارخة
لو جرى هذا الاعتداء في مكان آخر، لانهالت الإدانات والعقوبات وتحرّكت كل المنابر الدبلوماسية. أما حين تكون إسرائيل هي المعتدي، فالمشهد يتكرر: بيانات خجولة، مواقف باهتة، وتطمينات جوفاء. هذه الازدواجية لم تعد فضيحة سياسية فقط، بل صارت شراكة ضمنية في تقويض القانون الدولي. إن صمت المجتمع الدولي هو في ذاته جريمة ثانية، جريمة تواطؤ وتغطية على المعتدي.
القرار 1701: بين الحبر والدم
منذ صدوره عام 2006، شكّل القرار 1701 الإطار القانوني لوقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان. لكن أي قيمة تبقى له إذا كان يُنتهك على مرأى من مجلس الأمن؟ ما جدوى التمديد لولاية اليونيفيل حتى 2026 إذا كانت قواتها تُستهدف بالقنابل؟ أليس ذلك إفراغاً متعمّداً للقرار من مضمونه، وتحويله إلى وثيقة شكلية لا تحمي أحداً ولا تردع معتدياً؟
مسؤولية مجلس الأمن… ومحاسبة المعتدي
إن ما حدث يضع مجلس الأمن أمام اختبار وجودي: فإما أن يبرهن أنه هيئة قادرة على فرض قراراته وحماية قواته، أو أن يعترف بعجزه وانهيار هيبته. مسؤولية حماية اليونيفيل تقع بالدرجة الأولى على إسرائيل باعتبارها طرفاً معنيّاً ملزَماً بالقرار 1701، لكن المسؤولية الكبرى تقع على المجتمع الدولي الذي يموّل هذه القوات ويدّعي أنه أرسلها لحفظ السلام.
كلمة أخيرة
إن الصمت على هذا العدوان سيعني فتح الباب أمام استهدافات أخرى، وربما اغتيالات مباشرة بحق قوات الأمم المتحدة، مما سيحوّل مهام حفظ السلام إلى مقامرة دموية لا تحمي جنودها ولا تحمي الاستقرار. إن ما جرى في مروحين ليس حادثاً عابراً، بل إنذار شديد اللهجة بأن إسرائيل لم تعد ترى أمامها إلا فراغاً دولياً يسمح لها بأن تفعل ما تشاء بلا حساب.
إنها لحظة الحقيقة: إما أن يتصرّف المجتمع الدولي بمسؤولية، ويحاسب المعتدي كما ينبغي، أو أن يعترف بأنه سلّم زمام الأمن والسلم الدوليين إلى دولة فوق القانون، تضرب عرض الحائط بكل الشرعيات، وتحوّل قرارات الأمم المتحدة إلى مجرد شعارات جوفاء.
