عروبة الإخباري –
التقيتها لمرة واحدة فقط، لكنها كانت كفيلة بأن تكشف لي عن شخصية طموحة تحمل مشروعًا حقيقيًا في خدمة العدالة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل بما يمتد أثره إلى المنطقة والعالم، ومنذ اللحظة الأولى، شعرت أنني أمام سيدة تجمع بين الصلابة الأخلاقية والحس الإنساني العميق، وبين الفهم القانوني والقدرة على تحويل المبادئ إلى فعل مؤثر.
هديل عبد العزيز، المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، عُرفت لسنوات بجهودها في تمكين الفئات المهمشة وضمان الحق في الوصول إلى العدالة، وكانت مثالًا للمرأة التي توظّف القانون في خدمة المجتمع. مبادراتها ليست عابرة، بل هي خطوات استراتيجية لإحداث تغيير حقيقي، سواء من خلال حملة #تذكر_مين_انت لمكافحة المخدرات، أو حملة العمل اللائق لحماية حقوق العمال وتحسين بيئة العمل.
لكن ما يجعل هديل أكثر تميزًا من غيرها ليس فقط ما حققته، بل ما تمثله من مبدأ راسخ لا تهزه المكاسب الشخصية. قبل بضعة أشهر، تخلت هديل عن واحدة من أرفع الجوائز العالمية التي حصلت عليها – جائزة “المرأة الشجاعة الدولية” التي منحتها لها وزارة الخارجية الأمريكية وتسلمتها في البيت الأبيض، وذلك احتجاجًا على موقف الولايات المتحدة الداعم لمجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
لم يكن قرارها رمزيًا فقط، بل كان رسالة سياسية وأخلاقية عالية الصوت:
“لا يمكن أن تمثل الشجاعة ولا العدالة”.
هكذا بررت تنازلها في رسالة رسمية وجهتها إلى السفارة الأمريكية في عمّان، لتؤكد أن القيم لا تتجزأ، وأن الشجاعة ليست في التقدير الدولي بل في الانتصار للحق مهما كان الثمن.
لماذا هذا الموقف مهم؟
في زمن يتسابق فيه الكثيرون على الألقاب والجوائز، جاء قرار هديل ليعيد تعريف مفهوم الشجاعة الحقيقية. فالتنازل عن جائزة دولية مرموقة – حصلت عليها بعد سنوات من العمل الحقوقي الدؤوب – من أجل موقف مبدئي، هو قمة النزاهة الأخلاقية. لقد أثبتت أن العدالة التي تنادي بها في المحاكم، هي نفسها التي تدافع عنها في المواقف المصيرية.
الرؤية المستقبلية: كيف سيؤثر عملها على السياسات الأردنية؟
هديل عبد العزيز ليست مجرد ناشطة حقوقية، بل هي صانعة تغيير حقيقية، ومن المتوقع أن يزداد تأثيرها في السنوات القادمة على أكثر من مستوى:
- تطوير التشريعات لضمان المساعدة القانونية
عملها في مركز العدل يمهد الطريق لإدماج خدمات المساعدة القانونية ضمن المنظومة القضائية الأردنية كحق مكفول، بما يحقق مبدأ المساواة أمام القانون.
- إصلاح نظام التوقيف الإداري وضمان المحاكمة العادلة
من خلال حملات المناصرة، يمكن أن نشهد تقليصًا ملحوظًا في اللجوء إلى التوقيف الإداري، ودفعًا نحو تعزيز الضمانات الدستورية لحقوق الأفراد.
- تعزيز حقوق العمال ومواءمة القوانين مع المعايير الدولية
الحملات التي أطلقتها لحماية العمال ستنعكس على تعديلات تشريعية تسد الثغرات وتوفر حماية أكبر، خاصة للعاملين في القطاعات غير المنظمة.
- ترسيخ ثقافة العدالة الاجتماعية في الوعي العام
باستخدامها للإعلام والحملات التوعوية، ستستمر هديل في خلق وعي مجتمعي يرفض الوصمة تجاه الفئات المهمشة، ويؤمن أن العدالة مسؤولية جماعية.
لقاء واحد كان كافيًا لأدرك أنني أمام امرأة استثنائية تقود معركة طويلة من أجل العدالة. هديل عبد العزيز ليست مجرد مديرة لمركز حقوقي، بل هي مدرسة في النزاهة والشجاعة، اختارت أن تقف في صف المبدأ حتى لو كلفها ذلك التخلي عن أرفع الجوائز الدولية. في عالم يميل إلى المجاملات والرمزية، جاءت هديل لتقول بصوت عالٍ: “القيم لا تتجزأ، والعدالة لا تتلون”.
هذا الموقف سيبقى علامة فارقة في مسيرتها، وسيعطي عملها في السنوات القادمة بعدًا أعمق، يجعل من تأثيرها في السياسات الأردنية أكثر رسوخًا واستدامة، وربما يفتح الطريق نحو إصلاحات جذرية في العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية.
