لا أتردد في القول إن الهجوم الدموي على صحيفة “شارلي إيبدو”، سيتجاوز في تداعياته الخطيرة كل جنون “غزوة نيويورك” التي اطلقت الحرب على الإرهاب، اولاً لأن تلك الحرب إرتبطت بالسياسة بينما جريمة باريس بدت امس كأنها تتصل بصراع متنامٍ بين الحضارات، يتّخذ شكل كراهية غربية متزايدة للإسلام تعميماً، لم تعد تتوقف عند الارهابيين الذين يختطفون الإسلام ويشوهون صورته في العالم !
صحيح ان صحيفة محترمة مثل “الموند” وصفت الجريمة بأنها اثارت صدمة دولية تذكّر بالهجوم على مانهاتن عام ٢٠٠١، لكن المقلق ان كل بيانات الإستنكار والإدانة التي صدرت في الدول العربية ومن مرجعيات اسلامية روحية وسياسية، لن تتمكن من ان تشكّل فارقاً في أوساط الرأي العام الغربي، بين ارهابيين قتلة يخطفون الدين الحنيف ويرتكبون باسمه أبشع الجرائم، وإسلام التسامح والمسلمين عموماً .
من الخطير جداً ان ينجح الارهابيون في تعميق هوة الحساسية والكراهية بين الاسلام والعالم الغربي، ولعل جولة سريعة في التعليقات والتصريحات التي صدرت في اليومين الماضيين، تكفي لإظهار مدى الكراهية المتصاعدة على قاعدة التعميم، اذ باتت نسبة كبيرة في العالم الغربي ترى ان كل مسلم ارهابي يختزن كراهية تلقائية للآخرين ولن يتردد في اطلاق النار عليهم، وهذا ما سعت إليه الصهيونية دائما بحيث تدفع الاسلام والغرب الى اشتباك كبير.
في هذا السياق مثلاً تتحدث مؤسسة “برتسلمان” الإلمانية الغربية عن كراهية غربية متصاعدة للمسلمين، تذكّر بمعاداة السامية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، وتستند في هذا الى إستطلاع للرأي العام كشف ان أكثر من نصف الإلمان ( ٥٧٪) يعتبرون الاسلام تهديداً بينما رأى ٦١٪ منهم ان الاسلام لا يتلاءم مع العالم الغربي!
ما يجب ان تقرأه المرجعيات الروحية والسياسية الاسلامية جيداً في هذا السياق، هو تأكيد أحد معدّي الاستطلاع المدعو كاي حافظ، ان المسؤولية في هذا تقع على ان الكثيرين لم يسمعوا عن الإسلام إلاّ من خلال “داعش”، وهو ما يمثل تقصيراً من المرجعيات الاسلامية وكذلك من وسائل الاعلام .
إن إجماع عدد من الصحف الغربية على الحديث عن “الحرب”، والمقصود الحرب الإسلامية ضد الحضارة الغربية، يبدو كارثياً على مستقبل العلاقة بين الأسلام والعالم. ولهذا تبدو مسؤولية الدول الاسلامية تاريخية حيال إسترجاع الاسلام من خاطفيه الإرهابيين والقتلة، على ما قال خادم الحرمين الشريفين منذ أشهر .
الخطير ان يندفع البعض في الغرب الى مواقع الارهابيين أنفسهم. فقد كان من المثير ان تطالب صحيفة “الفيغارو” مثلاً، “بالتسلّح لمواجهة هذه الحرب، فقد كنا نُظهر اللطف والرحمة تجاه ألدّ أعدائنا باسم مبدأ انسانية مغلوطة ولا عنصرية مضللة…”. وهذا كلام يمثل إنتصاراً للجنون على الحكمة !