لازالت البيانات والمعلومات حول العديد من المواضيع محل إرباك وغموض. فالأرقام والأقوال الخاصة بالطاقة تتدحرج أمام المواطن بشكل مربك للغاية. فقد أعلنت الحكومة عن توقيع اتفاقية للغاز مع السلطة الوطنية الفلسطينية . وقبل ذلك كانت قد تسربت الأنباء عن شراء شركة البوتاس الغاز الإسرائيلي عن طريق شركة أمريكية، ثم الأنباء عن اتفاقية الغاز الجديدة مع إسرائيل. تم نفيها أولاً، ثم قيل أنها مع شركة أمريكية أيضا، ولا علاقة للحكومة بما تفعله الشركات. وأخيرا تم الاعتراف بأنها مع إسرائيل ولمدة 15 سنة ، رغم المعارضة الشعبية ورغم سوء اختيار التوقيت. وراحت التبريرات تظهر هنا وهناك، و في مقدمتها إرتفاع فاتورة الطاقة، والتي أصبحت “مشجب إبليس” الذي تعلق عليه كل الأخطاء.
أما رئيس هيئة الطاقة النووية، فقد عاد يصرح قبل أيام، وفي صرح وطني عتيد، بأن كلفة توليد الكهرباء ستكون (7) قروش. وهي كلفة افتراضية وغير دقيقة، لأن الكلفة تعتمد على التكاليف الإجمالية للمشروع والتي لم تتحدد نهائيا حتى الآن. ويضيف وزير الطاقة في الجلسة الحوارية في جامعة اليرموك، بأن المحطة 1000 ميغا واط، والمعلومات المتداولة 2000 ميغا واط ،سوف تستعمل لتحلية المياه، ولا يقول لنا الوزير أية مياه سيتم تحليتها حينما تكون المحطة عند قصر عمرة و مياه البحر في العقبة. ويتحدثون للمواطن بأن الكهرباء ستكون (7) قروش للكيلو واط ساعة أي (10) سنت، وأن المحطة النووية سوف تبقي السعر ثابتا على مدى (60) عاما. ولكن لا يقال للمواطن بأن سعر الكهرباء هو “سياسة دولة، ومرتبط بخليط الطاقة”. فهو في أمريكا 12 سنت، وفي فرنسا ،أكبر مستخدم للطاقة النووية (72%) من الكهرباء،19 سنت، واليابان 26 سنت، وألمانيا 35 سنت، والدنمارك 41 سنت، والصين والهند 8 سنت. وجميعها لديها محطات نووية. أما القول بأن المحطة النووية خيار استراتيجي للأردن، فهو تعبير ضخم ولكنه في غير محله وغير موضعه . “الخيار الاستراتيجي الصحيح” يعني أفضل الحلول المتاحة على المدى البعيد، ولا يعني أبدا أكبرها حجماً وأعلاها كلفة وأكثرها مخاطرة، و أسوأها توقيتا محليا و دوليا و تكنولوجيا.
ويتحدث رئيس الهيئة أمام مجموعة متميزة من المستمعين في كلية الدفاع بأن الطاقة المتجددة لا تكفي لمواجهة حمل الأساس . ولا يتذكر أن حمل الأساس في تغير ليبتعد عن الشكل التقليدي، وان هناك صخر زيتي في الأردن يكفي لتوليد الكهرباء بالحرق المباشر، ليس فقط لحمل الأساس الذي لن يتجاوز 2500 ميغاواط سنة 2023، و إنما لمواجهة الأحمال الأخرى. ناهيك عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذا في الوقت الذي يصرح وزير الطاقة بأن الطاقة المتجددة هي حوالي 16% من إجمالي الاستطاعة التوليدية وسترتفع إلى 30% عام 2017. و إذا كان الأمر كذلك فما هو مبرر المحطة النووية؟ ومن التقارير التي يبدو أنها لا تتابعها هيئة الطاقة النووية أن الأردن لديه احتياطي من الصخر الزيتي يكفي لإنتاج أكثر من (29) مليار برميل من النفط يمكنها تغذية احتياجات الأردن لعشرات بل مئات السنين .
ويتحدثون عن الربط الكهربائي مع السعودية ومع العراق. فهل هناك فعلا مشاريع جادة بهذا الاتجاه؟ أم أنها مجرد افتراضات و تطلعات دبلوماسية لمشاريع محتملة؟ مع أن العراق يعاني من ضعف منظومة الكهرباء، وانقطاعات التيار المتوالية.
ويضيف رئيس الهيئة بأن البلاد العربية سوف تستورد اليورانيوم من الأردن. ولا يدري أحد أي نوع من اليورانيوم يجري الحديث عنه؟ ومع أي قطر؟ هل هو اليورانيوم الخام الذي لم تحدد كمياته ولا نوعياته ولم يتم استخراجه بعد؟ أم هو اليورانيوم المصنع؟ ولماذا تستورده البلاد العربية؟ أم أنه اليورانيوم المخصب؟ ونحن لا نملك الرخصة ولا التكنولوجيا لذلك؟
ويتحدثون عن العمالة الوافدة هل هي (300) ألف أو (500) ألف أو (750) ألف أو مليون، ليس هناك من أرقام مستقرة، أو إجابة مقنعة. وهناك الحديث عن اللاجئين من الدول المجاورة ولا أحد يطمئن إلى صحة الأرقام . هل لدينا مليون أو (2) أو (3) أو (5).
ورغم توالي التصريحات والتفسيرات، فإن الحقيقة في عقل المواطن لا تزال حائرة وغائبة… والسؤال: لماذا لا تستطيع الإدارة أن تكون مقنعة للمواطن؟ و لماذا هذا الإرتباك … وكيف يطمئن المواطن لما يجري ؟.
هل من الصعب أن تصارح الحكومة الناس بما تريد وما تتخذ من سياسات وتصل إلى قرارات؟ و هذا حقها الذي لا نزاع فيه، وتقنعهم بصحة القرار؟ إن الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق، بما فيها معاهدات السلام ،لا تعني خروج الدولة من الساحة على حساب المصالح الوطنية الثابتة والمتغيرة. بل على العكس. أن معاهدات السلام تتطلب الحزم والمتابعة الحثيثة لالتزام الطرف الآخر بروح المعاهدة و نصوصها.فإذا كان هناك شبهة بأن الغاز هو حق للفلسطينيين، فعلى الدولة أن تأخذ الاحتياطات القانونية اللازمة لعدم الإجحاف بحقوق الفلسطينيين، وقد فعلت ذلك، وهذا منصوص عليه في المعاهدة، فيما يخص الحدود بين إسرائيل والأردن.
هل يمكن أن تصل إدارات الدولة إلى قناعة قاطعة أولاها أننا في عصر الانكشاف والمعلومات. ولا يمكن لشيء أن يبقى سرا، وان أي اتفاقية يمكن الحصول على نصوصها خلال ساعات. وثانيها أن مكاشفة الناس والعمل على إقناعهم بالعلم والعقل والمصلحة الوطنية أمر ممكن بل و ضروري. وهو الذي يعطي القوة والشرعية والمشروعية للقرار و للإدارة. وثالثها أن الإصرار الحازم على ضرورة تقيد إسرائيل بروح ونصوص المعاهدة، ليس فيه أي خلل دبلوماسي أو سياسي، خاصة وان إسرائيل مستعدة للغدر و التنصل و النكوص في أي لحظة. ورابعها آن تكرار المعلومات الخاطئة والخادعة حول الطاقة على أمل أن يتوقف أصحاب الرأي الآخر عن الكتابة في الموضوع، لا يفيد الدولة في شيء. فالمستقبل المزدهر لا تصنعه الشعوب إلا بالحقائق العلمية، والمقاربات العملية، والمشاركة في الرأي وفي صنع القرار .