نظم فرع رابطة الكتاب الأردنيين بإربد مساء أول من أمس، حفلا استذكارياً تأبينياً للشاعر والروائي الراحل مؤيد العتيلي الذي رحل عن هذه الدنيا في 30/1/2013 إثر تعرضه لحادث سير، مخلفاً وراءه إرثاً إبداعياً كبيراً توزع بين الشعر والرواية، شارك فيه كل من الأدباء: د. راشد عيسى، هاشم غرايبة، مهدي نصير، وتركي عبد الغني.
استهل الشاعر عبد الرحيم جداية الذي أدار فقرات الحفل بالوقوف دقيقة صمت على رحيل العتيلي، وقراءة الفاتحة، ثم قدم للحفل بقوله: « في مثل هذا اليوم الثالث عشر من آذار ولد الشاعر والروائي مؤيد العتيلي, الإنسان الذي أحبه الجميع, وقبل أسابيع دعاه الشاعر مهدي نصير رئيس فرع إربد لأمسية نلتف فيها حول صديقنا مؤيد العتيلي لنسمع منه قصائده.. لكن الفتى حجر, ولم ندرِ أن هذا اليوم سيأتي, لكنه أتى بترانيمه الحزينة, لا نسمع صوت مؤيد إلا في قلوبنا, ونحن نشترك جميعا هذا المساء في حفل تأبين الشاعر مؤيد العتيلي الذي ترك لنا بضع دواوين وروايات وقلبا ملؤه الحب».
الروائي غرايبة كان أول المتحدثين في الحفل الذي حضره رئيس رابطة الكتاب الأردنيين د. موفق محادين، وحشد واسع من جمهور إربد ومحبي الراحل، حيث تطرق في كلمته إلى جملة من مناقب الراحل ومواقفه والتي تتمثل بالنبل والإيثار والتضحية، ورؤيته الخاصة للحياة والوطن والحرية، مستذكرا في سياق حديثه عن مواقف الراحل، موقفه في الحزب والبنك العقاري، لافتا إلى أن العتيلي ضحى بعمله الذي قضى فيه ردحا من العمر من أجل أن يكون حازماً ومدافعا عن زملائه، أما مواقفه في رابطة الكتاب وفق غرايبة فإنها لا تعد، حيث كان مواظبا ومخلصا للمهمة التي انتخب لأجلها.
وقال غرايبة إن مؤيد من الذين لم يخلفوا الوعد ولا العهد وظل ينظر للحياة كأنها رواية، يكتبها شعرا ورواية تعبر عن قناعاته، ولك يكن هناك فرق بين مؤيد الشاعر والإنسان، وبين مؤيد الروائي والنقابي.
تلا غرايبه الشاعر عبد الغني حيث ألقى قصيدة رثائية بالراحل إلى جانب باقة من قصائد الراحل من ديوانه الأخير « ولكن الفتى حجر»، ومن القصيدة الرثائية نأخذ: عتيل تجذبها المرايا والحبيب الأول، عتيل قالت ويحه أوَيرحلُ، هذا المشكل من دمي، من أضلعي، من خضرة الزيتون من وهج الثرى في البرتقال وما تبقى من بقايا الأغنيات على فمي»
ومن قصائد الراحل التي قرأها الشاعر عبد الغني قصيدة « لا بحر في البحرين»، ومن أجوائها: لا بحر في البحرين، لا مد ولا ند ولا شجر، لا بحر في البحرين، لا طمي ولا وحي ولا قمر، لا بحر في البحرين، لا دلمون حاضرة، ولا العربية الثكلى يدندنها الكلام».
ومن جهته قدم الشاعر د. عيسى ورقة بعنوان « ولكن الفتى حجر، قراءة استطلاعية»، قال فيها: بالمستطاع أن نصف أدب العتيلي بأنه شكل من أشكال النضال الإبداعي ضد استلاب حرية الكلمة والإنسان والأرض، فرؤاه الأدبية تحمل شفافية فكرية ملتزمة بهموم الأمة بصورة عامة.
وأكد أن الراحل العتيلي في عنوان ديوانه « ولكن الفتى حجر» والذي تناهى مع بيت شعر قديم لتميم بن مقبل، ومحمود درويش، اتفق معهما في ظلال الدلالة، واختلف معهما في استحضار مفردات العبارة، فأبدل « لو أن « صيغة التمني، إلى « ولكن» صيغة الاستدراك التأكيدي التقريري القاطع المسبوقة بواو الاستئناف الجازم أيضا.
ولفت إلى أن أغلب قصائد الديوان تؤكد غربة الشاعر واحتراقاته في رحلة نضاله ضد القبح وأنماط الاستلاب وأشكال الوجع الإنساني في سبيل نصرة الحرية والتصالح مع الذات واحترام أزهار الآلام، كم أن هناك وفق عيسى إشارات متعددة تتلامح فيها مكابدات الشاعر واستشعاراته لخيبوبة الحلم، وخينونة الدنيا، إضافة إلى قصائد تتجه نحو تأبين الطفولة والرفاق ورثاء المبادئ والأفكار والانتصار للرغيف.
ونوه بالمعمار الفني الرشيق البسيط الذي يلائم القارىء العام والمتلقي الخاص معا، فشعر العتيلي كما يرى عيسى خال من الصور الشعرية المركبة المعقدة، ولغته عفوية أنيسة لا أثر فيها للتراكيب الشائكة، فهو يستخدم المفردات الناعمة الأليفة ويرتقي بها الى فضاءات الإيحاء والكناية والتلميح من غير تكلف أو ذهنية تجريدية أو ترميز بعيد المنال.
وقرأ الشاعر نصير في ختام حفل التأبين قصيدة رثائية في الراحل، جاء فيها: أيتها الريح الشمالية، يا نايات عمان الحزينة، ارفعي صوتك، واعزفي لكنعان مراثي الفارس النبيل، ثكلى هي المدن التي عرفتها وعشقتها، ثكلى هي عمان، ثكلى هي عتيل، ثكلى هي أم الشهداء، ثكلى هي اليوم فلسطين، صديقي رحلت سريعا، وما بللت شفتيك ينابيع عتيل، ما رافقتك غماماتها، وبراعمها، وشنانيرها، ما أفقت صباحا، ورحت تدور في السهل خلف البيوت على جذع زيتونة، كي تخط عليها أغانيك، نبض دوائر جمرك تلك التي ما خبت، صديقي ترجلت قبل الأوان، فنم يا صديقي عليك السلام». «.
«كتّاب إربد» تستذكر وتؤبّن الشاعر والروائي العتيلي
13