لعل من المستهجن لدى البعض، التشكيك في هذا الوقت، بمستقبل التحالف الدولي-العربي الذي شرعت الولايات المتحدة في بنائه قبل أقل من شهر واحد، لمواجهة تنظيم “داعش”، في الوقت الذي تواصل فيه بعض الدول الغربية التحاقها بهذا التحالف. وقد يكون من المبكر أيضاً الحديث عن مآلات أكبر تجمع دولي يعتزم محاربة تنظيم مسلح لا حليف له، قبل أن تبدأ الدولة العظمى الوحيدة في اختبار نجاعة استراتيجيتها العسكرية الهادفة للقضاء على ورثة “القاعدة”؛ عقيدة ومنهجاً وراية.
والحق أن هذه النبوءة المتشائمة إزاء مستقبل هذا التحالف، وإبداء رأي سلبي فيما يتعلق باستمراره معلقاً في الجو، حتى لا نقول تصدعه قبل أن يبدأ، نابعان من ثلاث ملاحظات منهجية متصلة بتفاوت الأولويات بين المتحالفين، أولاً؛ ومرتبطة بالافتقار إلى الزعامة وضعف القيادة، ثانياً؛ ومستمدة من الخبرات والتجارب التاريخية، ثالثا. الأمر الذي يبرر طرح السؤال الاستباقي أعلاه، عن ماذا تبقى من هذا التحالف الذي يبدو كحقيقة افتراضية في الفضاء الالكتروني.
وأحسب أن الضربة التي تلقاها التحالف من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، حين اتهم أهم حلفائه الإقليميين بتمويل وتسليح تنظيم “الدولة الإسلامية”، كانت ضربة على الرأس؛ قد لا تنفع معها مراهم الاعتذارات السريعة. فقد بدت هذه التهمة كرصاصة انطلقت من مسدس، لا سبيل إلى إعادتها إلى بيت النار؛ كما أوضحت في الوقت ذاته مغزى ما يشكو منه هذا التحالف، وهو الافتقار إلى الزعامة.
ولم تكن الضربة المدوية من على اللسان الذرب لبايدن هي الأولى التي نزلت على رأس هذا التحالف؛ فقد سبقه إلى ذلك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حين قال بالفم الملآن، إن الحكومة التي انتقلت إليه من نوري المالكي، لا تريد رؤية أي مشاركة عربية، سواء من الجو أو على الأرض، لمحاربة “داعش”؛ فيما راح يرحب بالمساعدة الإيرانية، ويمضي في التشاور والتنسيق عن كثب وفي العلن مع نظيره المعزول في دمشق.
ومع أننا لم نلمس بعد آثار دلويّ الماء البارد هذين على سلوك الشركاء العرب في التحالف، إلا أننا نرى بالعين المجردة تلاشي تلك الحماسة الزائدة عن الحد التي بدت عليها بعض الدول العربية أول الأمر. إذ غابت بسرعة الشفافية غير المعهودة عربياً عن سرد الأفعال العسكرية، وانطوت صفحة الاعتزاز بأسماء طيارين مشاركين في الحملة الجوية، ناهيك عن تعداد المواقع المستهدفة. وفوق ذلك انتهاء الخطاب الحربي المجامل للولايات المتحدة، من جانب الذين قالوا: هذه حربنا.
وليس من شك في أن محدودية النتائج الأولية لحملة القصف الجوية المتعثرة، وفشلها في كبح اندفاعة “داعش” الحربية (معركة “عين العرب” مثالاً)، قد عمقت حالة الشك لدى أخلص حلفاء اميركا، بمن فيهم الأوروبيون والعرب، بجدوى استراتيجية باراك أوباما، المقدر لها أن تستمر لثلاث سنوات مرشحة للزيادة، من دون أن تصاحبها استراتيجية سياسية تعالج أسباب المرض الذي أنتج كل هذا العنف والتطرف، ولا تقتصر فقط على مداواة أعراضه الجانبية بالمسكنات.
وقد يكون الموقف التركي المتحفظ على الانخراط في “تحالف غير الراغبين” هذا، أكثر الشواهد وضوحاً على تفاوت أجندات المدعوين إلى الاشتراك في هذه اللعبة التي تبدو كنصف استراتيجية أميركية قائمة على قدم واحدة، مهتمة كلياً بمعالجة المرض السياسي المستفحل في العراق منذ عقد ونيّف، من دون أدنى التفاتة إلى الحالة السورية المماثلة. الأمر الذي خلق وضعاً مستحيلاً أمام هذا التحالف، إذا لم تتم الاستجابة لوجهة نظر البلد الذي لا يمكن من دونه إيجاد تحالف فعال ضد “داعش”.
إزاء ذلك كله، وبحكم الخبرات المتراكمة والتجارب السابقة مع السياسات الأميركية قصيرة النفس في هذه المنطقة، فإن الحكم بعدمية الرهان على هذا التحالف، الذي تتولاه قيادة تعوزها الروح القتالية والبصيرة السياسية، يصبح والحالة هذه حكماً غير متعجل. كما يبدو التساؤل عما تبقى من هذا التحالف الذي لا يعرف كيف ومتى سينهي مهمته العسيرة، تساؤلاً في محله، طالما أن بدايته أتت غاصة بالإخفاقات، وحافلة بالمصالح الجزئية المتعارضة، وبالغايات السياسية الملتبسة
عيسى الشعيبي/ماذا تبقى من “تحالف غير الراغبين”؟
11
المقالة السابقة